الزوجة الأجنبية مرحب بها.. والزوج الأجنبي "مستغرب" دائماً..

 

بعد أن قرر "جمال" الشاب السوري من أمٍ فنزويلية ترك عمله بالطب في كراكاس ليعود ويعمل كدليل سياحي في بلده سوريا لمجموعاتٍ سياحية من أميركا اللاتينية، كان على موعدٍ مع تحقيق أحلامه ببلدٍ لم يعرف عنه سوى ما سمعه من جده ووالده، كان على موعد مع لقاء بساطة الريف التي تركها جده قبل سفره في العشرينيات من القرن الماضي، لكنه صدم بما رأى، شعر بأنه يريد دليلاً سياحياً يعرفه على وطنه الذي كان يظن أنه يعرف عنه الشيء الكافي، حتى أنه واجه صعوبةً في التواصل باللهجة الثقيلة التي يتكلمها والتي تحوي كلمات نسيها أهل المنطقة نفسهم في محافظة السويداء، ليخيب أمله ويبدأ مشوار ضياعه بين بلدين لا يستطيع الانتماء لأحدهما لأن قلبه في مكان والحياة التي تعود عيشها في مكانٍ آخر تفصل بينهما محيطاتٌ وبحار!!!!

حال "جمال" كحال الكثير من الشبان والشابات السوريين الذين حكمت عليهم ظروف اغتراب أهلهم بالدخول في هذه الدوامة وضياعهم في الانتماء بين عالمين لا يستطيعان التأقلم التام مع أحدهما وغالباً ما كانا هذان العالمان غريبان عن بعضهما ومختلفان كلياً.

 

الاستقرار..الحصول على الجنسية.. والحب دوافعهم للزواج!!!

القصة بدأت منذ أواخر الاحتلال العثماني وفي بدايات القرن الماضي عندما بدأت الهجرة إلى الأمريكيتين بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي دفعت بعددٍ كبير من سكان سوريا ولبنان بالهجرة إلى أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية بدرجةٍ أخف، والتي تركزت في تلك الفترة من منطقة القلمون والسويداء ودرعا فشهدت هذه المناطق أكبر نسبة هجرة إلى أميركا اللاتينية وخاصة إلى فنزويلا والأرجنتين والبرازيل ليشكلوا مجتمعاتٍ كاملة في تلك البلدان، وكأغلب المهاجرين من جميع أنحاء العالم أندمج المهاجرون السوريون بالسكان الأصليين ليستطيعوا الاستمرار بالحياة لذلك كان لا بد لهم من الزواج والعمل والاستقرار التام في بعض الأحيان، حتى أنّ بعضهم فقد جنسيته السورية ليكتفي بالجنسية في تلك البلدان.

ويخبرنا السيد "داوود" من محافظة السويداء وهو غير متزوج أنه عندما سافر لعند عمه إلى فنزويلا للعمل، لم يكن يعتقد أنه لن يندمج وكانت توقعات من حوله بأنه سيعود معه زوجة أجنبية على غرار أخيه، لكنه لم يستطع التأقلم مع عاداتهم وتقاليدهم مما دفعه للعودة وعدم الزواج هناك.

في حين يرى السيد حسين حمزة وهو متزوج من سيدة فنزويلية أن الزواج في بلاد المهجر لا يكون مخطط له وان كل شخص هو حالة فردية فهناك من يلتقي بسيدة يعجب بها ويتزوجها وهناك من لا يحافه الحظ، ويقول لنا ان زواجه من السيدة إيزابيلا كان بدافع الانسجام والحب وليس بدافع الحصول على الجنسية أو الحصول على مسكن كما يفعل البعض.

ويضيف السيد حمزة أن الزيجات من أجنبيات كانت موجودة بشكل أكبر عند الجيل الأول والثاني من المهاجرين وربما الثالث، لكن اليوم عند الجيل الجديد قلت نسبة الزواج من أجنبيات، نظراً للردة القوية في العودة للوطن من قبل الآباء خاصة بعد سوء الأوضاع الاقتصادية في أميركا اللاتينية، أو فنزويلا بوجه التحديد، إضافةً إلى تشجيع الآباء لأبنائهم بالزواج من فتيات سوريات، فأصبحنا نرى اليوم ان الشاب يأتي من الخارج خلال شهرين أو أكثر للتعرف على فتاة والزواج منها وأخذها معه لتستقر في البلاد التي يعمل بها.

وهنا تتدخل زوجته السيدة إيزابيلا التي تتكلم العربية بلغة ركيكة لتقول لنا أن أختها تزوجت من شاب سوري وتطلقت فيما بعد لأن هدفه كان الحصول على الجنسية والاستقرار مما جعل الزواج عبارة عن "مصلحة" وهذا نموذج موجود حتى اليوم في بلادها.

يبلغ عدد السوريين في أميركا اللاتينية حوالي ثمانية ملايين تقرييباً فقد معظمهم الهوية السورية بسبب أن المهاجرين الأوائل لم يكونوا يملكوا وثائق جنسية واضحة في وقتها، وتحوي البرازيل على اكبر جالية سورية تليها الأرجنتين ثم فنزويلا، إضافة إلى عدد لا بأس به في أميركا الشمالية وخاصة الولايات المتحدة والمكسيك والتي بدأت إليها الهجرة بنفس الفترة مع الهجرة إلى أميركا اللاتينية ويختلف مهاجروا أميركا الشمالية عن اللاتينية بعدد من الأمور من حيث مسألة الزواج إذ يرى السيد حبيب عيد الذي هو ابن لأب سوري هاجر لأميركا منذ العشرينيات متزوج من امريكية، وأب لأولاد لا يستطيع تسميتهم بالسوريين كما قال لأن أولاده أندمجوا مع الحياة الغربية بشكل كبير واضطروا ليعيشوا بعادات وتقاليد تلك الدول وهم متزوجون من أمريكيات، ويضيف قائلاً: اعتقد أن عدم التوعية من قبلي هي سبب اندفاع أولادي للزواج من فتيات أمريكيات، إضافةً إلى أن تربية أولادي في الولايات المتحدة جعلت من طريقة تفكيرهم غربية لا تتناسب مع عقلية الفتيات السوريات، لكن اليوم أتمنى أن يتزوج أحفادي من سوريات كي يبقى هناك اتصال مع أرض الوطن.

ويختم السيد عيد حديثه بقوله أن هناك فرق بين المهاجرين لأميركا الشمالية والمهاجرين للاتينية فالعادات والتقاليد في أميركا اللاتينية ما زالت تتسم بالقليل من المحافظة والالتزام لذلك يمكن التقارب بمسألة الزواج لكن في الولايات المتحدة الموضوع مختلف وان الذي يتزوج امريكية عليه أن ينسلخ عن عالمه كي يندمج بعالمها ولا يعتقد ان العكس حصل عبر التجارب الكثيرة التي سمع بها، وان هذه الزيجات بقيت باتجاه واحد الرجال من نساء أجنبيات ولم يشهد التاريخ سوى حالات نادرة جداً بزيجات بالاتجاه الآخر أي زواج الفتيات العربيات من أجانب.

 

حوالي "ألف" زوجة روسية في سوريا!!!

بعد الاحتلال الفرنسي والاستقلال في سوريا وبداية الحركة العلمية مترافقة مع إغلاق العالم الجديد أبوابه للهجرات الكبيرة، بدأت سوريا تشهد نوعاً آخر من السفر إلى الخارج متمثلاً بالطلاب الموفدين إلى الدراسة في أوروبا،  إذ يبلغ عدد الطلاب الموفدين حوالي 200 طالب سنوياً في 33 بلد حول العالم، كما كثرت البعثات التعليمية إلى دول الاتحاد السوفيتي خلال فترة السبعينيات والثنانينيات لنشهد موجةً من الزوجات "السوفيتيات" خلال تلك الفترة واللواتي أصبحوا يشاهدوا بشكل ملحوظ في سوريا سواء في المدن أو الأرياف.

وبالرغم من ان الزوجات الأجنبيات لا يقتصرن على النساء من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً إلا أنهن يبقين بالنسبة الأكبر، ويخبرنا الدكتور غسان أبو عسلي وهو متزوج من سيدة روسية أن في فترة قوة الاتحاد السوفيتي كان هو المقصد الوحيد للبعثات العلمية تقريباً مما جعل هذه النسبة كبيرة ويضيف أن الطلاب السوريين كانوا يتزوجون من النساء في تلك الدول لعدة أسباب أهمها هو عدم وجود تعقيد في الزواج والبساطة بالمطالب التي أصبحت معقدة في بلادنا، إذ أن الشاب عندما يقرر تزوج فتاة فما عليه سوى القيام بزيارة واحدة لبيت اهلها ومن ثم تنتقل للعيش عنده دون "جهاز، وعفش بيت..." ومن هذه الأشياء التي يطلبها اهل الفتيات السوريات.

ويشير إلى أن التدين هو واحد من لااسباب التي تدفع الشباب السوري للزواج في الغرب نظراً لكون العلاقات غير الشرعية محرمة فيخشى الشاب الوقوع في الحرام مما يدفعه للزواج بالامرأة التي يسكن معها، إضافةً إلى أن تحمل المسؤولية أيضاً تعد واحدة من هذه الأسباب خاصةً إذا ما حدث حمل.

وتعتقد زوجته السيدة "إلينا" أن هذه ليست الأسباب الوحيدة فهناك بعض الشبان الذين يقررون عدم العودة إلى بلادهم، فيتزوجزن بحثاً عن الإقامة والجنسية احياناً، فيما يعتبر البعض الزواج وسيلة للتهرب من فشلهم الدراسي.

وترى السيدة "إلينا الحسين" وهي سيدة أوكرانية متزوجة من  د.حسين الحسين في ريف حلب أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت النساء في تلك الدول تبحث عن زوج تهرب معه من واقعها المرير لذلك كانت تقبل بأي متقدم للزواج، وهذا ما دفعها لترك بلدها والسفر إلى سوريا مع زوجها والتحجب واعتناق الدين الإسلامي، فالجو الغريب والجديد عليها كلياً، إضافة إلى العادات والتقاليد الغريبة عنها أخف وطأةً من المعاناة الاقتصادية التي كانت تعانيها في بلادها.

تسجل السفارة الروسية في سوريا في سجلاتها أكثر من 3000 مواطن روسي أكثر من ألف منهم من الزوجات المستقرات في سوريا مع أزواجهم، فيما تسجل السفارة الرومانية نسبة لا بأس بها ايضاً إضافةً إلى أوكرانيا وسلوفاكيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية، أغلبتهم أتوا إلى سوريا في تلك الفترة.

من جهته يخبرنا السيد بسام الكفاني أنه كان متزوجاً من سيدة رومانية لكنها لم تستطع الاندماج مع مجتمعه لذلك قررت العودة إلى وطنها آخذةً معها ابنه الذي أصبح بعيداً عنه كأب ويعرف أخوته عن طريق الانترنت كأي صديق عبر التشات مما خلق تشتتاً في الأسرة، وان ولده اليوم لا يعتبر نفسه سورياً سوى في بعض السجلات الرسمية لكنه مواطن روماني مثالي وهذا ما يحزنه بالفعل، ويشير غلى مخاطر تتعلق بهذا الموضوع في مسألة الزواج من اجنبيات خاصةً إذما لجأت الزوجة إلى السفارة لتأخذ الأولاد معها ويحرم الأب منهم مدى الحياة حتى لو رآهم فيما بعد لكنهم يصبحون غرباء عنه، لافتاً إلى أن هناك الكثير من القصص التي كادت ان تفجر أزمات دبلوماسية مع السفارات.

 

 

 

 

 

 

بلغ عدد المهاجرون العرب عام 2007  في أوروبا 1.8 مليون نسمة من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر وتستقر أغلبيتها في فرنسا وبريطانيـا وألمانيا، وتتكون أغلبية الجالية من كوادر جاهزة أو في طور الأعداد أطباء، محامين، صيادلة وعمال فنيين نزحوا تطلعاً إلى تحقيق مكاسب مادية مرتفعة بالمقارنة مع ما يتوقعون الحصول عليه في بلدانهم.

 

الزوج الأجنبي يبقى إشارة استفهام!!

 حتى لو أصبحت مسألة الزواج من أجنبية أمراً يتقبله المجتمع نسبياً ، خاصة بعد تنوع جنسيات الزوجات في الفترة الأخيرة بفضل الهجرات الكثيرة إلى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، والتي تتزايد نسبتهم يوماً بعد يوم بسبب الهجرة "المستمرة" إلا أن مسألة الزوج الأجنبي لا تزال مستغربة حتى مع الانفتاح في المجتمع والتحرر، فهذا يتطلب عدة شروط في الزوج عليه مراعاتها خاصةً إذا ما كان سيعيش في سوريا، وتعد العائلات التي تقبل بتزويج بناتها من اجانب معدودةً على الأصابع لكنها موجودة.

فالسيدة ربا جربوع خير مثال على ذلك إذ تخبرنا أنها تزوجت من زوجها "مارك" الدنماركي منذ خمسة سنوات والذي التقت به في دمشق عندما كانت تدرس في الدنمارك، وتخبرنا أنها واجهت عدداً من الصعوبات كي تقنع أهلها الذين استسلموا في النهاية.

وتضيف: أنا و"مارك" حالة استثنائية ربما، لأنه ليس من السهل أن تجذب المرأة رجلاً إلى عالمها الغريب عنه كلياً، وربما لو لم يكن مفتوناً بالشرق لكان الأمر أصعب خاصةً أننا نعيش في سوريا، وحتى بعد طفلي الأول لم أجد هناك صعوبات كبيرة في التعامل مع الوضع، لأننا كنا متفقين على كل شيء حول تربيته والطريقة والأمور التي نريد تربيته عليها، لكن هذا الانسجام ليس متوافراً لدى عدد كبير من هذه الزيجات التي يكتب لعدد منها الفشل أو صعوبة كبيرة في التأقلم.

في حين ترى السيدة ريم المتزوجة من رجل ألماني أن موضوع زواجها بقي محور حديث عائلتها وجيرانها لمدة طويلة، ولم يستطيعوا حتى اليوم التخلص من نظرتهم المتسائلة حول الموضوع، على الرغم من انه أشهر إسلامه لاستطيع الزواج منه، وتعلم اللغة العربية، وتشير إلى ان هذا الأمر ليس سهلاً على الفتاة ابداً، مما جعلها تشعر بأنها لن تستطيع العيش في سوريا معه لذلك قررا العودة إلى ألمانيا.

على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة لعدد السوريين والسوريات المتزوجين من أجانب إلى أن سوريا تحتل المرتبة الثانية بعد لبنان في الاحصائيات العربية في مسألة الزواج من اجانب هذا إذا ما أهملنا الزواج من خليجيين أو جنسيات عربية مختلفة مما يعطي مؤشراً لارتفاع مشكلة اجتماعية قريبة فيما يخص مسألة العنوسة، ويدل على ارتفاع عدد المهاجرين خارج سوريا والذين يقرر معظمهم الاستقرار في الخارج مما يعني حرمان سوريا من الاستفادة من قدراتهم وخبراتهم والذين قدر عددهم عام 2006 بـ (1.739 مليون نسمة) دون المتحدرين منهم، عدا عن مسألة الانتماء والمشاكل الاجتماعية الأخرى، لذا يرى البعض انه لا بد من إعادة التفكير مرتين قبل الإقدام على هذه الخطوة!!!

 

راما الجرمقاني- شام نيوز