السفير - نبيل هيثم - سوريا تسمع كلاماً إيجابياً في «البيال»..

الصورة من دمشق، تشي بأنها قرأت جيداً «رسالة البيال المستقبلية»، وقيـّمت إيجاباً العاطفة السياسية التي أبداها الرئيس سعد الحريري تجاه سوريا والرئيس بشـار الأسـد، والنظريات الإيجابية التي عنونها بالحرص على أفضل علاقات ثنائية وتفادي عبارة «العلاقات الندية» وما إلى ذلك من صفات حميدة.
والقراءة السورية لـ«رسالة البيال» تشير إلى أن الإيجابيات النظريّة التي ظهـّرها سعد الحريري هي علامة جيّدة، إلا أنها على أهميتها تشكل النصف الأول من الكوب، ولكن ماذا عن النصف الثاني، الذي تتراكم فيه عناصر اشتباك حول المحكمة الدولية والقرار الظني؟
الصورة في دمشق، على ما يقول مسؤول سوري، مكتملة بكلّ جوانبها: هناك من يريد استهداف المقاومة في لبنان من بوابة القرار الظني، وهذا مشروع تنضوي فيه إسرائيل بالإضافة الى بعض «أنظمة الاعتدال» التي تصب الزيت على نار الأزمة المستجدة في لبنان سعياً الى توريط بعض الفرقاء اللبنانيين وجرّهم الى مغامرات انتحارية.
حاولت دمشق ان تسدي النصح الى اللبنانيين حتى لا يُلدغوا من الجحر مرتين، فكان التحذير العلني الذي أطلقه وزير الخارجية وليد المعلم وفحواه «أيها اللبنانيون احذروا تسييس المحكمة الدولية، فهذا التسييس يعني الابتعاد عن كشف الحقيقة». ولكن هذا الكلام الدبلوماسي كان تمهيداً لكلام واضح ومباشر قاله الرئيس بشار الأسد للرئيس سعد الحريري بعدما شكا الأخير «حزب الله» و«أجندته الإقليمية» و«تفرّده».. ومفاده «لا تتورطوا في الحملة على المقاومة».
وبحسب شخصية واسعة الاطلاع، فإن ما قاله الأسد للحريري جاء في سياق نصيحة مباشرة بألا يجعل بعض اللبنانيين أنفسهم وقوداً لنار تلك الحملة الدولية التي تستهدف المقاومة، وأن يتجنبوا تكرار تجربة الاتهام السياسي مع «حزب الله» على غرار تجربة اتهام سوريا التي لم تنسَ ما لحق بها من اتهامات وإهانات، كما لم تنسَ ما فبركه شهود الزور في إفاداتهم أمام لجنة التحقيق الدولية، وقد ورد بعضها في أحد تقارير ديتليف ميليس، وبعضها شطب في آخر لحظة في مجلس الأمن الدولي، وتبيّن أنها كلها ملفقة، ومع ذلك عضت على جرحها وقررت أن تتجاوزه، وبناءً على تلك التجربة السورية المرة مع الاتهام السياسي الذي أدخلها كمتهمة وحيدة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل خمس سنوات، أبلغت دمشق من يعنيهم الأمر في لبنان، ومن بينهم الرئيس الحريري، بأن من حق المقاومة في لبنان ان تدافع عن نفسها، وخصوصاً عندما تجد نفسها مستهدفة بوجودها من خلال قرار ظني قائم على اتهام سياسي مفبرك.
وتكشف الشخصية الواسعة الاطلاع أن الوقائع التي تتالت على المسرح اللبناني، غداة عودة الرئيس الحريري، كانت محل متابعة جدية في دمشق وما خلا بعض الكلام الجميل والهادئ من قبل فريق رئيس الحكومة حيال دمشق، فإنها رصدت في المسرح اللبناني «خطوات غير مطمئنة»، ومنها:
أولاً، تجاهل فريق من اللبنانيين عن قصد او عن غير قصد حقيقة أن المقاومة تتعرض لاستهداف في وجودها، وبدل تفهم موقفها بالدفاع عن نفسها بادر البعض الى شن هجوم عليها اعتقاداً منه أن اللحظة مؤاتية للإطباق على الحزب «وإلا فإن البديل سيطرته على البلد»!
ثانياً، إصرار البعض في لبنان على المضي في تكرار تجربة الاتهام السياسي من دون النظر إلى عواقب مثل هذه الاندفاعة، وذلك انطلاقاً من نظرية ان المحكمة الدولية تشكل الفرصة المؤاتية لإضعاف «حزب الله».
ثالثاً، اعتقاد فريق لبناني بإمكان فك «حزب الله» عن سوريا أو العكس، وهو الوهم الذي لم يغادر عقل هذا الفريق وعقولاً دولية حول إمكان فك سوريا عن إيران.
وقد بلغ مسامع العاصمة السورية أن اصحاب تلك «النظريات» ينتشرون في المحيط القريب لرئيس الحكومة وسمير جعجع. وهم لا يقدرون جيداً حجم رد فعل «حزب الله» في السياسة والأمن.
وتقول شخصية واسعة الاطلاع أن ثمة رسائل وصلت الى فريق 14 آذار مفادها أن رهان البعض في لبنان على فك عرى العلاقة والتحالف ما بين سوريا والمقاومة في لبنان هو عبارة عن «محاولة فاشلة»، وتضيف أن دمشق ستترك هؤلاء نائمين ولن تطلب إلى أي منهم أن يستفيق من هذا الحلم.
في «البيال» حاول سعد الحريري القول إنه يريد أن يعطي ما يستطيع أن يعطيه للسوري، لكنه ليس قادراً على التخلي عن حلفائه. هذا قرار إقليمي ودولي.. ولذلك إذا كان لا بد من مسايرتهم في الخطاب السياسي التأسيسي الذي تحدث عن استعادة مزارع شبعا بالمقاومة الدبلوماسية والتمسك بترسيم الحدود وغيرها
السفير - نبيل هيثم - 29 - 7 - 2010.