«السفير» تكشف تفاصيل تفكيك أخطر عملية تجسس إسرائيلية خلوية:

مع مغادرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يدخل لبنان في مدار الفراغ من جديد في انتظار الفرج السوري السعودي، لعله يفتح كوة في جدران الازمة الراهنة ويعين أولي الامر السياسي على اطلاق عجلة البلد الجامدة حتى اشعار آخر.
واذا كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد بدأ يقتل وقته بالمجاهرة باستيائه من الشلل السياسي والحكومي المفتوح، وقلقه من «ان يستغل الاعداء والمتضررون هذا الشلل للقيام بأعمال مضرّة بالبلد»، فإن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي انشغل باستقبال ضيفه التركي، على مدى يومين، رتّب اجندته على سلسلة زيارات خارجية يبدأها غدا بالسفر الى ايران، على ان يزور بعدها العاصمة الفرنسية، وتليها زيارة ثالثة الى تركيا للمشاركة في منتدى اقتصادي، على ان يزور في الرابع من الشهر المقبل سلطنة عمان.
اما اللبنانيون فتتجاذبهم التسريبات المتتالية حول المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، ويقلقهم ما يحاك لغدهم في الغرف الاميركية والاسرائيلية السوداء، على غرار تهديد مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان بـ«تمزيق «حزب الله» وتقديمه للبنان هدية عيد الميلاد»، بحسب ما ورد في تقرير الكاتب الأميركي فرانكلين لامب على موقع «كاونتر بانش».
واذا كان ما ورد في تقرير الموقع الاميركي يلقي ظلالا كثيفة اضافية من الشكوك حول المحكمة والغاية منها للنيل من المقاومة، فإن الاستثمار الاميركي والاسرائيلي للمحكمة الدولية والقرار الاتهامي، يكمل الخطوات العدوانية الجاسوسية المتتالية التي يقوم بها العدو الاسرائيلي ضد لبنان، بالتوازي مع السيناريوهات الاتهامية للمقاومة بالتورّط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد تكشفت لـ«السفير» فصول خطيرة عن قدرة العدو على التحكم بقطاع الاتصالات وخلق أرقام تتزامن مع بعضها البعض في الخط الواحد، من دون علم صاحبها، وبالتالي فبركة اتصالات وهمية في امكنة وازمنة مختلفة.
ويسجل لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ولبعض العاملين في الهيئة الناظمة للاتصالات وفي وزارة الاتصالات، كما في أمن المقاومة، أنهم شكلوا مجموعة عمل تمكنت من مواجهة كل التقنيات والبرمجيات الاسرائيلية المتطورة، عبر مجموعة اختبارات وتجارب، أظهرت الملابسات الكاملة لاختراق العدو الاسرائيلي لخطوط هاتفية عائدة لكوادر في المقاومة، في ضوء واقعة الثامن من نيسان 2009، وهو التاريخ الذي عرض فيه رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن على مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، ملف العميل اديب العلم، واشارته الى تورط احد كوادر الحزب بالعمل لصالح العدو.
وفي وقت اجرى امن المقاومة دراسة لاوضاع الكوادر المقصودين ودراسة وتحليل المعطيات التي تسلمها من فرع المعلومات، فقد خلص الى ان هؤلاء الكوادر هم من الكوادر الذين لا تشوب وضعهم اية شائبة على المستوى الامني على الاطلاق، وان هواتف هؤلاء الكوادر جرى التلاعب بها من طرف اسرائيلي وجرت برمجة خطوط رديفة عليها.
ويتبيّن ايضا ان مديرية المخابرات في الجيش قامت بعمل مهم في هذا الاتجاه وتمكنت من اماطة اللثام عن هذا اللغز، وسجلت بذلك انجازا امنيا اضافيا كبيرا، تمثل بالكشف عن واحدة من اخطر عمليات الاختراق والتجسس التي يعتمدها العدو لاستهداف المقاومين، وذلك عبر استخدام تقنية زرع خطوط هاتفية خلوية وهمية داخل خط آخر، وهي تقنية لم يكن بامكان العدو تنفيذها لولا استباحته المطلقة، سواء عبر عملائه المباشرين او عبر امكانياته التكنولوجية المعقدة لكل ما يتصل بقطاع الاتصالات في لبنان ومنظومات شبكات الهاتف الخلوي والثابت منه.
وبعد دراسة البيانات تبين لمديرية المخابرات الارقام اللبنانية التي زرعها العدو داخل هواتف المقاومين، كما تبينت لها الارقام النمسـاوية التي تولت عملية الزرع، وكـذلك الخـط الهـاتـفي الذي اسـتعمله الاسرائيلي في ادارة عملية التنصت عبر اجراء اتصالات بالارقام المزروعة عبر رسائل «S M S» صامتة وهو الرقم 764313/ 03
وقد توصل تحقيق «حزب الله» بالتعاون الوثيق مع مخابرات الجيش ووزارة الاتصالات، الى أن الأرقام المشبوهة تواجدت خلال فترات طويلة برفقة أرقام لبنانية أخرى، وتزامن بدء تواجدها وانفصالها عنها مع رسائل قصيرة كثيفة للأرقام المستهدفة من قبل أرقام أجنبية موجودة على الحدود مع فلسطين المحتلة مما يبين الرابط بين هذه الرسائل وبدء تنقل الأرقام المشبوهة بالقرب من الأرقام المستهدفة. كما أن كثافة الرسائل وتتابعها بفارق ثوان قليلة يؤكد أن مصدرها هو برنامج وليس إنسانا وأنها تهدف إلى برمجة الجهاز المستهدف. وفي الخلاصة، تبين ان العملية نفذت باستخدام تقنيات متطورة تدل أن الجهة التي نفذتها على درجة عالية من الاحتراف كما ان تواجد الارقام الاجنبية بشكل دائم ضمن تغطية المحطات الحدودية يؤكد أنها مستخدمة من داخل الأراضي المحتلة (التفاصيل الكاملة صفحة 3).
اردوغان : استقرار لبنان ووحدته اولوية تركية
في هذه الاثناء، غادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بيروت في ختام زيارة استمرت يومين افتتح خلالها مشاريع تركية ما بين صيدا في الجنوب والكواشرة في عكار وتفقد كتيبة بلاده العاملة في اطار قوات اليونيفيل، واختتمها بزيارة قام بها مساء امس، الى رئيس الحكومة سعد الحريري في منزله في وادي ابو جميل، وأعقبها لقاءات مع كل من الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون، وفد حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، الرئيس امين الجميل، ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الوزراء الاسبق فؤاد السنيورة.
واذا كـان اردوغــان قد اكــد امام تلك القــيادات على موقف تركيا الداعــم للبنــان في مواجهة كل ما يتهــدد امنه واستقراره ووحدته الوطنــية، فقد بدا في تلك اللقاءات انه يستطلع وجهات نظر الفرقاء من دون ان يقدم امرا معينا او ما يمكن اعتباره اقتراحا تركيا للحل.
وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بعد اللقاء مــع اردوغان: إن هذا اللقاء كان مفيــدا وصريحا مع رئيس الوزراء التــركي وعرضنا خلاله رؤيتنا حــول الازمة القائمــة في لبنــان، واكدنا على اهمية دعم الجهد السوري الســعودي لتجــاوزها. ولتركيا دور حيـوي في مجـال هـذا الدعم.
وعلم ان اردوغان اعرب لوفد «حزب الله» عن بالغ تقديره للمقاومة ولدورها ولما قامت به. وحرص خلال اللقاء على استطلاع وجهة نظر حزب الله حول المشكلة القائمة وطبيعتها وسبل الخروج منها. وعكس حرصا كبيرا على الاستــقرار في لبنان وعلى ضرورة تجــاوز الازمة.
وسبقت تلك اللقاءات رسالة شديدة اللهجــة وجهــها اردوغان من بيروت في اتجاه العدو الاسرائيلي، تعكس استمــرار تــصاعد التوتر في العلاقــات التركيــة الاسرائيلية.
فبعدما اكد أردوغان في كلمة له خلال افتتاح الاجتماع السنوي لاتحاد المصارف العربية في فندق فينيسيا «ان هدفنا الوحيد في المنطقة هو السلام والاستقرار والرفاهية والأمن في المنطقة، نحن في تركيا ليست لدينا أي مشكلة مع دول الجوار». وتناول اسرائيل من دون ان يسميها وقال: هل ستدخل أرض لبنان بأحدث الطائرات والدبابات وتقتل الأطفال والنساء وتهدم المدارس والمستشفيات، وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ هل تستخدم أحدث الأسلحة والقــنابل الفوســفورية والعنقودية وتدخل غزة وتقتل الأطفال الذين يلعبون في المزارع وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ هل تقوم بالقرصنة في البحر المتوسط وتقوم بإرهاب دولي وتقتل تسعة من المواطنين المعصومين الأتراك الذاهبين إلى غزة، وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ لن نسكت، وسنقول بكل إمكانياتنا أننا مع الحق.
اضاف: قد يقال لي لماذا تطلق هذه المواقف في مثل هذا الاجتماع، وأنا أقول: إن لم تكن هناك سيادة للحق والقانون فما أهمية المال؟ إن كانت هناك سيادة للحق تكون للأموال قيمة، وهي تكسب قيمتها مع الحق. لذلك نحن في هذه الجغرافيا نريد أن يسود الحق في المنطقة وليست القرصنة، نريد أن يسود السلام في منطقة الشرق الأوسط، نحن لا نريد أن يقتل الأطفال، بل نريد سيادة الرفاهية والاستقلالية في هذه المنطقة. ان تركيا تهتم دائما بمصالح دول الجوار كما تهتم بمصالحها، ونحن نبذل ما في وسعنا من أجــل السلام، لذلك سنسـتمر في المطالــبة بالسلام لبغــداد وبيـروت وغــزة والقدس.
وفيما دعا أردوغــان خلال افتتاح المستشفى التركي التخصصي لطب الطــوارئ والحروق في مدينة صيدا الى الحــفاظ على الوفاق والوحــدة في لبنان ومنع المغرضين من التسلل اليه، قال رئيس الحكومة سعد الحريري في الاحتفال ذاته: إن لبنان سيكون بخير وإنّ اللبنانيين، بكل أطيافهم وفئــاتهم السياسية، لن يفرطوا بوحدتــــهم الوطنية، مهما تصاعدت حدة الخطاب السياسي وحملات الكر والفر الإعلامية. لأنّ خيارنا في هذا البلد، أن نعيش معاً، وأن نعمل معاً، وان نتوحد في مواجهة التحديات الإسرائيلية، وان نعالج قضايانا بالحوار.
واكد «اننا لن نيأس من الدعوة الى تحكيم العقل، ومن التمسُّك بالحوار الوطنــي سبيلاً وحيداً لحل النزاعات وتــقريب وجهات النظر، وفي ظل مظلة عربية، توفرها المساعي المشتركة للقيادتين في السعودية وسوريا».
واعتبر الحريري أن «الوحدة الوطنية اللبنانية، باتت تشكل عنصراً حيوياً في الشراكة الاستراتيجية التي نتطلع الى قيامها مع تركيا. فاستقرار لبنان، جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة، وأصبح خلال العقود الثلاثة الماضية، بمثابة المؤشر السياسي العام للاستقرار الإقليمي، ونقطة الارتكاز الرئيسة، في تكوين مناخات التواصل الاقتصادي والإنمائي والإنساني بين الدول».
الى ذلك اثنى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على زيارة أردوغان وقال لـ«السفير»: إن كلام رئيس الوزراء التركي المتصل بالصراع مع اسرائيل هو كلام ممتاز وجميل جدا، خصوصا ما صدر منه في عكار تحديدا، حيث أعاد الى شريحة من اللبنانيين الخطاب العروبي الاسلامي الملتزم بفلسطين بعد محاولة عزل هذه الشريحة عن تاريخها وتراثها وواقعها

 

السفير