"السمن العربي الديري" مرتبط بالبيئة الفراتية وسر من أسرار البادية

"السمن العربي الديري" مرتبط بالبيئة الفراتية وسر من أسرار البادية

 مالك الجاسم - شام إف إم

يبقى للسمن للعربي أو البلدي حكايا لا يعرفها إلا من هو مرتبط بالبيئة الفراتية لأنها سر من أسرار البادية وشيفرة صحية مرغوبة لجسم الإنسان وهذا السر مرتبط بالمراعي الطبيعية التي تلعب دوراً أساسياً في طعم السمن الذي يختلف حتى ضمن المحافظة الواحدة، فمثلاً السمن النباتي في ريف دير الزور الشرقي ضمن منطقة الشامية يختلف عن طعم السمن ضمن منطقة الجزيرة على الطرف الثاني لنهر الفرات ، وهذا يعود إلى أنواع النباتات والأعشاب التي تتغذى عليها الأغنام والأبقار.

وبرغم ما مر به ريف دير الزور من أحداث إلا أن هذا النوع من السمن بقي حاضراً ولا يكاد يخلو منزل منه برغم الارتفاع الكبير لسعره وبقي هاجس اقتنائه حاضراً لدى كثير من الأهالي.

ومن خلال جولة على عدد من المحال المخصصة لبيع السمن العربي فهناك أنواع لهذا السمن منها البقري والغنمي وهناك فارق بالسعر بين نوع وآخر، فنجد أن سعر كيلو سمن الضان أو الغنم يصل إلى ١٦٠ ألف ليرة سورية، وأنواع أخرى تجاوزت هذا الرقم، أما سعر كيلو السمن العربي البقري فوصل إلى ١٠٠ ألف ليرة سورية، ونوع آخر وصل إلى ١٢٥ ألف ليرة، ولكن كل نوع يتميز بطريقة تحضير.  

وعن طريقة تحضير هذا النوع من السمن تحدث "أبو أنس" من بلدة "بقرص تحتاني" بالريف الشرقي للمحافظة أنها تتم من خلال تجهيز حليب الغنم "الضان" أو البقر، حيث يتم وضعه على نار هادئة حتى يصل لدرجة الغليان، ونتركه حتى يبرد، ثم يتم تخثيره، والتخثير يكون بإضافة القليل من اللبن مع الحليب المغلي، ويتم وضعه جانباً إلى أن يصل إلى درجة التخثر، ويتماسك قوامه بشكل كامل، وبعد ذلك يتم وضعه في "الشجوة" و"الشچوة" عبارة عن جلد ماعز أو غنم، وتكون مخاطة الاطراف، و لها ربطة من جهة العنق كما يتم وضع السمنة في شيء يسمى "العكة" وهي مصنوعة من جلد الغنم أو الماعز بعد دبغها بوضع قشور الرمان والقليل من اللبن، وهذا بهدف الحفاظ على جودة السمن من أي طعم وخاصة الجلد. 

ويضيف "أبو أنس" قائلا: نقوم بوضع اللبن "بالشچوة"، ونضيف القليل من الماء مقدار نصف كمية اللبن، مع القليل من الملح، وهناك ملح خاص يسمى ملح " اعديد "، وبعد ذلك يتم نفخ "الشچوة" بالفم لإدخال الهواء إلى داخلها، ثم تبدأ عملية خض اللبن "بالشچوة" من خلال عملية التحريك باليدين " هز " وهي مهمة مجهدة .

بعد ذلك نقوم بربط "الشجوة" من الطرفين بحبل متين، ثم يتم تعليقها من طرفيها على عمود بالطريقة العرضية، ويتقابل شخصان من الجهتين، وتتم عملية تبادل الدفع باتجاه كل منهما، وهذا الأمر يحتاج إلى ساعات من أجل فرز الزبدة عن اللبن، وفي هذه الأثناء يتم تشكل كتل الزبدة بداخل "الشچوة" وبعد ذلك نعود لإجراء عملية نفخ "الشچوة" فنشاهد الزبدة أصبحت بداخلها على شكل كتل، وعندما نشاهد بأن اللبن لم يعد يفرز الزبدة  تكون المرحلة الأولى قد انتهت.

ويتابع "أبو أنس" حديثه: يتم جمع باقي الزبدة واللبن من الوجه العلوي ويبقى اللبن الحامض، وهو ما يسمى بالعامية في دير الزور بـ "الشنينة" وهي من أطيب وألذ أنواع اللبن.

نأخذ الزبدة التي تم جمعها من "الشچوة" و نضعها في قدر، ويتم إذابتها على نار هادئة مع الاستمرار بعملية التحريك، وهنا يتم إضافة كأس من البرغل، ويوضع بهدف إزالة الطعمة من السمنة، ومن أجل عملية شفط رطوبة الماء إن وجدت بالزبدة، وبعضهم يضع كمية قليلة من حبة تسمى " الطوالية " ، وبعضهم يضع قطع التفاح.

وعندما تذوب الزبدة ويخرج منها الرطوبة واللبن، ويطفو على سطح القدر بعض الشوائب يتم إزالتها بمصفاة خاصة، و في هذه الحالة يتغير قوام هذه الزبدة، لتصبح سمنة عربية ونتركها حتى تبرد ثم نفرغها في "عكة" وهي مصنوعة من جلد الغنم أو الماعز، أو في أعيرة فخارية ونجد عدداً من الأسر تقوم بعملية دهن لبطن الأعيرة بدبس التمر الحلو من أجل الحفاظ على جودة السمنة و طعمتها.

ويختم "أبو أنس" حديثه بالتأكيد بأن السمنة العربية والدبس ، من أطيب الأكلات في منطقة وادي الفرات خصوصاً في فترة السحور خلال شهر رمضان المبارك وتحفظ السمنة بوضعها في بيت المؤونة وهي معروفة في ريف المحافظة وفي المنازل القديمة ضمن المدينة.

وفي وقتنا الحاضر بات هناك معامل ضمن المدينة والريف لصناعة هذا النوع من السمن ولكن يبقى للصناعة اليدوية نكهة خاصة لا يمكن أن يكون لها شبيه.

ونذكر بأن فترة تحضير السمن العربي في ريف دير الزور تشكل لوحة جميلة من الطبيعة وبخاصة عندما تترافق مراحل العمل بقصائد من النسوة تحمل اللهجة الديرية الجميلة.