السوريون يبدؤون عيدهم بلقاء الأحبة الراحلين و ارتشاف القهوة على المقابر

 

في روايات جدتي يُحكى أن الميت تصعد روحة ليلة العيد لتجوب الأحياء و تزور الأقارب ، و أن روحه تنتظر العائلة كي تزورها و تستأنس بها ، ففي صباح هذا اليوم تلتقي الأرواح بالأجساد ليتشاركون فرحة العيد بعد شهر كامل من الصوم والعبادة ، وهي واجبة في بعض الديانات  حيث يخصص يوم يسمى بعيد الأموات في حين أنها مستحبة في أديان أخرى .

واعتاد السوريون على شراء الآس الأخضر عقب صلاة العيد و التوجه إلى  المقابر في أول أيامه لزيارة أقاربهم وإحياء ذكرى موتاهم و إشعارهم بأنهم يتذكرونهم في أفراحهم  ، لكن في منطقة ركن الدين يأخذ هذا الطقس شكلا آخر و طابعا مختلف لاسيما أن منطقة القبور تقع على سفح جبل قاسيون ، ويكاد الأموات هناك يزاحمون الأحياء ، وقد أَلِف البعض هذا المشهد إلى درجة عدم شعورهم بالخوف و الرهبة من الموت ، بل ينقل لهم نوعا من الراحة و الاطمئنان ، وحول ذلك يقول أحمد مللي الذي يبلغ من العمر / 40 / عاما :  " في الحقيقة  نشعر بالفرح عندما نلتقي الذين سبقونا إلى العالم الآخر ونحاول استذكارهم في أفراحنا من خلال زيارتهم في أول أيام العيد ، فلا نرغب بالبكاء كما يقوم البعض و إنما تأخذ هذه الزيارة لدينا شكلا آخر  ، خاصة أن قبور ذوينا تقع في منطقة جبلية يجعل  من منظر دمشق خلابا مع خيوط الصباح الأولى ، لذلك نقوم بقراءة الأدعية لهم و بعض آيات القرآن الكريم و من ثم نجلس ونجتمع  إلى جانب قبور أهالينا و نرتشف القهوة و الشاي ونتسامر ببعض الأحاديث ونحن نطل على دمشق من خلال ذلك المشهد الفريد من نوعه ".

في حين يرى خالد داوود /37 / عاما  : " زيارة الأموات واجبة علينا و هو طقس نقوم به في صباح كل عيد ، حيث نصطحب الأولاد و أحيانا الزوجة لكي  نقوم جميعا بزيارة الراحلين كنوع من الوفاء للآباء و الأمهات و الحنين إليهم "

و على الطرف الآخر هناك من يعتقد أن زيارة القبور لا تنبغي في يوم العيد ، فالعم أبو عمر/ 57 عاما /  ما زال إلى اليوم لا يستطيع القيام بتلك المهمة التي تُفرض عليه صباح العيد و يضيف  في ذلك : " أرى أن زيارة القبور عادة قديمة جدا و طقس تمسك به السوريين لا أكثر ، لكن من وجهة نظري لا أستحب كثيرا هذه العادة لما تجلب في نفسي من الحزن في أيام خصصها الله للفرح و السرور لذا غالبا لا أقوم بزيارة القبور في أول أيام العيد ، بل أفضل  زيارتها في أوقات مختلفة ".

وأما السيدة فلك حناوي فإنها تجد في  الآس الأخضر رمزا معنويا حيث تابعت في حديثها : " أجد في وضع الورد أو الآس الأخضر نوع من الرمز للعفو و المغفرة خاصة أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرّ من أمام قبرين لرجلين يعذبان داخل قبريهما فأخذ عرقاً من النخيل وقسمه نصفين ووضع كل قسم على قبر وقال "علّه يخفف عنهما" ، ومن هنا أخذ الناس هذه العادة وأصبح تقليداً في الأعياد وغيرها، خاصة ان نبتة الآس من أنواع النبات الذي لا يتعرض للجفاف بسرعة و يحافظ على اخضراره لفترة لا بأس بها ".

وعن أصل هذه العادة يعود الحاج أبو سليم " 75 " ليقول : " إن زيارة القبور عرفناها منذ القدم حيث كان الوالد يصطحبنا إلى هناك وتحولت عندنا إلى عادة  لكن تبعا لقراءاتي أعتقد أن هذه العادة لم تكن موجود في بداية ظهور الإسلام لخوفهم من تقديس الأموات ، خاصة أن تلك المرحلة كانت قريبة لعهد الجاهلية " وأضاف بأن زيارة القبور تحمل عبرة معينة و هي أن نتذكر بأننا عائدون إلى التراب و سنلحق بالذي سبقونا و أن هذا الجسد ما هو إلا أمانة لابد و أن تعود إلى منشئها ، وغالبا ما يشعر زوار القبور أن كل هموم الدنيا التي نحملها لامعنى لها ، و أنها زائلة لا محالة " .

 

شام نيوز- رامان آل رشي