السوريون يناقشون واقعهم اليومي في المقاهي الثقافية

تزايد عدد المقاهي الثقافية في سوريا خلال السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة أفضت على نحو عفوي إلى انبثاق مناخ ثقافي جديد من نوعه ارتبط بهذه الظاهرة مباشرة وعمل على تأطيرها وإرساء قواعد مناسبة لها وهي قواعد لم تتخذ بطبيعة الحال قوالب نهائية نظراً لحداثة التجربة التي تستقطب اليوم وبعد سنوات قليلة على انطلاقتها شرائح متنوعة من الرواد من كافة الأعمار.
وربما تكون الأزمة التي تمر بها سوريا منذ أشهر قد وسعت من دور الملتقيات الثقافية على أرض الواقع حيث تحولت هذه المقاهي تلقائياً إلى منتديات للحوار حول مختلف القضايا ولاسيما المتصلة منها بالوضع الحالي إلى جانب نشاطاتها المعتادة والتي تتنوع عادة بين المعارض الفنية والأمسيات الأدبية والموسيقية وعروض المونودراما وسواها.
وتتناوب على هذه الفعاليات كل من منتديات "بيات" و"ناي آرت" و"بوشكين" و"نزل السرور" و"جدل بيزنطي" وغيرها من المقاهي التي خرجت الى الضوء خلال عدة سنوات لتغطي مختلف انحاء المدينة.
ويؤكد القاص مصعب حسن صاحب مقهى "جدل بيزنطي" أنه يسعى من خلال هذا المشروع إلى خلق فسحة للتواصل بين المهتمين بالشأن الثقافي من خلال استضافة بعض الأنشطة التي تستقطب هذه الشريحة و التي يشكل الشباب من طلبة الجامعات النسبة الأعلى منها لينضم إليهم لاحقا عدد من الأدباء والتشكيليين والمعنيين بالمشهد الثقافي العام.
ويضيف "حالياً تعتبر الحوارات اليومية بين مختلف مرتادي المقهى هي السمة الأبرز في نشاط الملتقيات الفكرية أينما وجدت حيث يجري يومياً وعلى مدار الساعة طرح القضايا الشائكة للنقاش العام وخاصة حول مستجدات الوضع في سوريا والذي يستحوذ على النصيب الأكبر من الأحاديث والسجالات التي يقودها شباب واعٍ ومثقف يمثل الغالبية العظمى من زوار المقهى".
وأوضح أن المقهى الثقافي لا يستطيع غالبا المشاركة في عملية الإنتاج الثقافي إنما تكمن مهمته الأساسية في حال توفرت رؤية صحيحة وجادة في ترويج المنتج الثقافي وهذا بالطبع حسب قوله مشروط بالإمكانات المادية المتاحة موضحاُ أن "جدل بيزنطي" يستضيف دورياً معرضاً فنياً لأحد الأسماء البارزة في التشكيل السوري وحفلات موسيقية مصغرة وهو يوفر لمرتاديه مكتبة منوعة باللغتين العربية والإنكليزية ومجموعة يومية من إصدارات الصحف المحلية.
واختتم بأن المقاهي الثقافية عموما تقدم خدماتها مقابل أسعار رمزية لا ترهق كاهل الزبائن فهي لا تسعى إلى الربح المادي الكبير إنما فقط إلى ما يغطي نفقاتها ويخدم أهداف المشروع التي تطمح إليه وخاصة أن معظم أصحاب هذه المشاريع في اللاذقية هم من الأدباء والفنانين الذين يعنيهم اتساع الجمهور بدوره يقول هادي مصطفى المشرف على مقهى "بيات" التابع لفرع اتحاد الكتاب العرب ان أهم ما يميز أجواء المقهى الثقافي عامة هو حضور العديد من الشخصيات الأدبية والفنية والتي غالبا ما تكون وراء نشوء حلقات حوارية يتفاعل معها بشكل عفوي مرتادو المنتدى من الحاضرين ويطرح فيها الكثير من القضايا والآراء الثقافية الجادة كما هو الأمر حاليا حيث تتصدر النقاشات السياسية والاقتصادية واجهة النقاش في أي حلقة تعقد.
أما ما يتصل بالحوارات الأخرى فقد لفت إلى أن بعض مرتادي المقهى لم يكونوا بادئ الأمر من المهتمين بالشؤون الأدبية أو الفنية لكنهم وبمرور الوقت انخرطوا بعد ذلك في هذه الأجواء نتيجة حضورهم المتواصل فيها و يقابل هؤلاء فئة أخرى أخذت بالابتعاد التدريجي عن المقهى لعدم اكتراثها للمناخ الثقافي أو ما يكرسه من أفكار ونشاطات.
ويضيف أن "بيات" كان من أوائل المقاهي الثقافية التي استضافت فعاليات متنوعة لأدباء وموسيقيين وفنانين من الجيل الشاب الذي لا تتوفر لديه الإمكانات المادية لإثبات نفسه والنهوض بتجربته في المحافل الثقافية الكبرى ولذلك فإنه يرى في المقهى الثقافي متنفسا لموهبته و بيئة جيدة لعرض نتاجه الإبداعي.
وتقول الشاعرة الشابة وفاء عمار ان المقهى الثقافي في هذه المرحلة التاريخية من حياة سوريا يشكل مقصداً يومياً أساسياً بالنسبة لغالبية المثقفين شأنه شأن الصالونات الفكرية التي سادت في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم حيث يتيح الملتقى الثقافي لجمهوره فرصة التواصل والتفاعل ومناقشة الأحداث الجارية وبالتالي استجلاء وجهات النظر والعمل على تقريبها.
وأضافت "استطاعت المقاهي الثقافية في الأشهر الأخيرة أن تقدم للمثقفين فرصة لبحث الأوضاع الراهنة وإيجاد القواسم المشتركة بين زوارها من مختلف أطياف المجتمع السوري لنتجاوز الى حد ما الكثير من المكائد التي تحاك لنا كسوريين فكانت لهذه الحوارات المستفيضة أن تؤلف بين الأفكار والمشاعر والمواقف الى حد كبير".
أما الفنان التشكيلي أحمد الشيخ فقد أشار إلى أهمية هذه الملتقيات في تحفيز الحس الوطني و"كشف أبعاد المؤامرة الكبيرة التي تتعرض لها سوريا إذ شكلت الحلقات الحوارية منابر حقيقية عبر كل من خلالها عن آرائه وأفكاره فكانت فضاء خصباً عامراً بالرؤى والاقتراحات والحلول وهو المناخ الأمثل لكي يسود في هذا الوقت".
وتابع "إن الميزة الأهم التي تسم المقاهي الثقافية هو نشاطها المتواصل حيث يتفاعل العمل في كل منها دون أن يؤثر على الآخر فتتنوع الفعاليات المتاحة في كل منها وتكون بالتالي الخيارات واسعة أمام المتلقي الثقافي الذي يجد أمامه قائمة طويلة من النشاطات التي ترضي غالبية الأذواق والاهتمامات".
من ناحيته أشار الفنان أنس اسماعيل صاحب مقهى "ناي آرت" إلى أن إحدى الغايات الأساسية من المقهى الثقافي عموما هي دعم جيل الشباب من الموهوبين ومن الطاقات الإبداعية التي تحتاج إلى الكثير من التشجيع و التحفيز لرفد المشهد الفني بدماء جديدة ورؤى خلاقة مغايرة لما هو سائد وخاصة أن هذه الشريحة من المبدعين لا تجد لها عادة منابر تستضيف إنتاجها الفكري في بواكير تجاربها.
وأوضح أن تجربة "ناي آرت كافيه" في اللاذقية بدأت تدرس حديثاً لطلاب جامعة أكسفورد في بريطانيا كحلقة بحث تبين حركة المجتمع الثقافي الأهلي الخاص في سورية باعتباره نموذجاً يجمع بين الفعلين الاقتصادي والثقافي في الوقت نفسه متمنياً مساندة المؤسسة الثقافية الرسمية لكافة التجارب المماثلة بغية النهوض بالواقع الإبداعي المحلي في مختلف جوانبه.
شام نيوز - سانا