السيادة للشعب السوري

 
 
هل هي الحرب الاهلية السورية فعلا، ام انها مجرد تحليلات او تحذيرات او حتى تمنيات بعض كارهي سوريا والحاقدين على شعبها.. وبينهم عدد غير قليل من اللبنانيين الذين استخلصوا من عنصريتهم الدفينة ومن تجربتهم الشخصية موقفا عدميا لا يماثله الا القول الشائع في معظم العواصم العربية والأجنبية عن ان الحريق السوري تحول استراتيجي مرغوب ومنشود.

 


السؤال بحد ذاته مرعب، وقد بات من الصعب تفاديه او إنكاره. الشرخ السوري عميق جداً، وعلى جميع المستويات. وعدد القتلى والجرحى من الجانبين يكاد يصبح متعادلا، وكذا التظاهرات المتبادلة .

  


لكنها حتى الان لم تصبح حربا أهلية بالمعنى الحرفي او بالمعنى اللبناني للكلمة. ثمة موانع وضوابط عديدة لا تزال تمنع المجتمع السوري من الغرق في هذا الخيار الدموي، على الرغم من ان الايام الراهنة تشهد على ان هذا التحدي بلغ ذروته، حيث تواجه سوريا فرصة العودة الى الشكل السلمي للاحتجاج والسعي الى التغيير والتحديث والتطوير.

 


سؤال الحرب الاهلية يضغط في هذه اللحظات على الجميع. أسوأ ما يمكن ان يلجأ اليه السوريون هو التسليم بالفكرة وبالقدر، والغوص في الجدل حول من بدأ هذه الحرب ومن يصعدها ومن يغذيها ومن يستفيد منها. هو مثل الجدل العقيم الذي خاضه اللبنانيون طويلا تحت شعار حروب الاخرين على ارض لبنان، التي استدعت ما تيسر من «الاخرين» لكنها تنكرت على الدوام لحقيقة ان المعضلة هي في تكوين الشخصية والدولة اللبنانية.

 


العوامل الخارجية في الأزمة السورية لا شك فيها، بعضها يخدم النظام ويحميه وبعضها الاخر يدعم المعارضة ويشجعها، لكنها كلها كانت ولا تزال اقل قوة وأهمية حتى الان من العوامل الخارجية التي ساعدت اللبنانيين على إدامة صراعاتهم الى ما لا نهاية. والخبرة السورية الطويلة في لبنان كافية للتوصل الى هذا الاستنتاج، والى نفي الخطر الخارجي على سوريا الى حد بعيد.

 


من علامات الخطر الشديد ان ينشغل النظام والمعارضة اليوم في تحليل الموقف التركي والعربي والإيراني والأميركي والفرنسي اكثر من تقدير الموقف على الارض السورية. فهذا هو احد اهم عيوب اللبنانيين الذين ظلوا يعتقدون ان النوم لا يداهم اي مسؤول في واشنطن وباريس والقاهرة وطهران والرياض .. قبل ان يطمئن على لبنان واهله .

 


مرة اخرى، ليست الحرب الاهلية خيار سوريا او قدرها، والاهم من ذلك انها لم تعد كما يبدو تشكل تهديدا لاحد خارجها. وفي هذه الحالة يصبح السير في اتجاهها مسؤولية سورية حصرية، سواء من جانب النظام الذي يصر على اختراع خطر خارجي ويقاتله، او المعارضة التي تحدثت امس بالذات عن الدولة المدنية التعددية التي تريد أقامتها وتكون السيادة فيها للشعب، الذي لن يبقى منه كثيرون، اذا لم يتوقف الصراع المسلح.