الشهداء.. في ذاكرة الوطن وضمير الأجيال

الشهداء.. في ذاكرة الوطن وضمير الأجيال


تستذكر سورية عاماً بعد عام عيد الشهادة والشهيد، وهي في معركتها من أجل الحرية والاستقلال، ومن أجل أن تبقى وطناً لجميع أبنائها. سورية الدرب المنير على طريق الحضارة الإنسانية.

في صباح 6 أيار عام 1915 استيقظ الناس في دمشق وبيروت، ليروا مشانق الأبطال الأشاوس تحمل جثامين المناضلين قادة النهضة العربية، عبد الحميد الزهراوي- رشدي الشمعة- شكري العسلي- جورج حداد - شفيق المؤيد- سليم الجزائري- رفيق رزق سلوم- سيف الدين الخطيب- عبد الكريم الخليل- محمد المحمصاني- علي النشاسيبي. وفي مقدمة التهم الموجهة إليهم الانتساب إلى إحدى الجمعيات العربية والاتصال بدول أجنبية لإنقاذ البلاد من الحكم العثماني.‏

وكانت تلك المجزرة الوحشية التي خطط لها ونفذها جمال باشا السفاح في السادس من آيار بداية النهاية للحكم العثماني، حيث تنبه الزعماء العرب لخطورة الموقف وتداعوا للتنسيق والتعاون عبر الاتصالات واللقاءات السرية، وتوجت جهودهم بقيام الثورة العربية الكبرى10 حزيران 1916 وتحرير سورية بحدودها الطبيعية في تشرين أول عام 1918.‏

وفوجئ العرب بخيانة الحلفاء للقضية العربية« كما هو شأنهم» والاتفاق على اقتسام التركة، فكانت اتفاقية سايكس- بيكو المشؤومة 1916 ووعد بلفور 1917 وسلخ اسكندرون 1937، وقوبلت هذه المؤامرات والعهود المتناقضة بالرفض المطلق لأي شكل من أشكال الاحتلال والوجود الأجنبي، وجسدت ظاهرة الشهادة والدفاع عن الوطن حالة من العطاء اللا محدود للإنسان العربي السوري حيث توج بصموده وتضحياته أجمل الانتصارات في السابع عشر من نيسان 1946.‏

فشهداء السادس من آيار، وكل الشهداء العرب على امتداد الوطن العربي الكبير هم الشعلة المتقدة التي تنير الدرب، وتشحذ الهمم، هم القدوة الحسنة والمنارة المتوهجة والسلف الصالح ، علوا فوق المصالح الشخصية والأنانيات الضيقة عندما دعاهم الواجب المقدس، واستعذبوا الموت لتحيا الأمة، وسلكوا درب الشهادة ليكونوا المثل الصالح والقادة الرمز.‏

ونحن اليوم، وفي ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية، ظروف التجربة والامتحان ظروف المحنة والمعاناة، وفي ظل هذه الهجمة الصهيونية الامبريالية والغزوة الأميركية الظالمة أحوج ما نكون إلى التذكير والاستذكار بأبطالنا العظماء وشهدائنا الميامين، وأن نستمد من مواقفهم وتضحياتهم القوة والمنعة، والصبر والهزيمة، والإيمان والثبات ، فالشعب الذي يملك أبناؤه إرادة الصمود والتصدي، إرادة التضحية والشهادة، هو الشعب الذي يملك حتمية النصر والبقاء، وهكذا هم أبطال شعبنا العربي في فلسطين والعراق وفي كل بقعة من بقاع أرضنا المحتلة.‏

واستمراراً لهذا الفكر السليم والنهج المقاوم الصحيح تحتفل سورية اليوم بعيد الشهداء.. عيد أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر، عيد أولئك الأبطال العظام الذين سطروا ملاحم بطولية رائعة، ستبقى ذكراها حية خالدة في ضمير ووجدان أمتنا تتوارثها الأجيال جيلاً بعد آخر، فشهداؤنا كانوا ومازالوا مثال التضحية والفداء وعنوان كل نبيل وعظيم في تاريخ هذا الوطن المعطاء..‏

إننا نحتفل اليوم بعيد الشهداء، ونحن أشد ثقة بقدرة شعبنا على التضحية و الصمود ومقاومة كل أشكال الاحتلال والعدوان، وأكثر إصراراً على التمسك بالقيم والمبادئ النبيلة التي ضحى من أجلها شهداؤنا العظام وبذلوا الدماء رخيصة دفاعاً عن عزة وكرامة الوطن.‏

لقد استطاعت سورية بفضل صمود وتضحيات أبنائها الكبيرة أن تحافظ على ثوابت نهجها القومي الأصيل وأن تواصل مسيرتها النضالية بكل ثقة وثبات، فلم ترضخ يوماً لأي ضغط أو تهديد، ولم تقبل أي تنازل عن الأهداف والمبادئ، وتصدت بكل عزم وقوة لطروحات الهزيمة والاستسلام التي يروج لها بعض المارقين وضعاف النفوس.‏

وسورية تعاملت أيضاً مع تحديات العصر ومتغيراته بروح المسؤولية الواعية، ومن موقع القوة والثقة بالنفس، وتمكنت بفضل براعة وحنكة القائد بشار الأسد من معالجة أكثر القضايا تعقيداً، واستطاعت أن تخوض معركة السلام بالقدرة والكفاءة نفسها التي تخوض بها اليوم معركة الاستهداف للنيل من سورية وكرامة سورية. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.‏

 

الثورة