الصباح "التونسية"- من الذاكرة الوطنية


«الكرامة قبل الخبز» شعار رفعته دولة الاستقلال الفتية في مواجهتها للصعوبات المالية الخانقة في اولى سنوات تصفية مخلفات الاستعمار الفرنسي.



السيادة الاقتصادية

تم فيما بين 1956 و1960 تأميم عديد القطاعات الحيوية كالسكك الحديدية والموانئ والكهرباء والغاز والمناجم وبعث عدد من الدواوين والمؤسسات الوطنية مثل شركة الفسفاط وشركة عجين الحلفاء وشركة النزل والسياحة وديوان الصناعات التقليدية وديوان الصيد البحري وديوان المناجم وديوان احياء وادي مجردة وديوان النفيضة.

وتمثلت اولى ردود فعل فرنسا في قطع   الاعانات المالية سنة 1957 فضلا عن تهريب الارصدة المالية في اتجاه فرنسا وتخفيض قيمة الفرنك الفرنسي في مناسبتين، (أوت 1957 وديسمبر 1958).



السيادة المالية

وما كان من حكومة الاستقلال الا ان اقدمت على احداث بنك اصدار تونسي هو البنك المركزي التونسي الذي عوض «بنك الجزائر وتونس» في 19 سبتمبر 1958 وانشاء وحدة نقدية تونسية (الدينار بدل الفرنك في 18 اكتوبر 1958) وضبط قيمة الدينار التونسي بالقياس الى الذهب ليتم بذلك فصل الدينار التونسي عن الفرنك الفرنسي وانسحاب تونس من منطقة الفرنك الفرنسي (30 ديسمبر 1958) وفرض تضييقات مشددة على تحويل العملة الى الخارج (13 جانفي 1959) والانخراط في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير (14 افريل 1958). واقدمت الحكومة التونسية يوم 20 اوت 1959 على فك ارتباطها بالوحدة القمرقية التي يعود تاريخها الى 30 مارس 1928 ومن ابرز ما كانت تنص عليه تلك الاتفاقية تمتع البضائع الفرنسية باعفاء قمرقي مطلق في حين كانت توظف معاليم مرتفعة على البضائع الواردة من سائر البلدان كما كانت تنص على اجبار تونس على استيراد حاجياتها من فرنسا وبالاسعار التي يضبطها المزودون الفرنسيون واجبارها ايضا على تصدير بضائعها بالاسعار التي يحددها الفرنسيون.



فرحة الحياة

رفعت الحكومة شعار «الكرامة قبل الخبز» شحنا لمعنويات التونسيين في كفاحهم من اجل السيادة الاقتصادية ثم رفع الزعيم الحبيب بورقيبة شعار «فرحة الحياة» بعدما اجتازت البلاد اولى العقبات ودخلت غداة مؤتمر الحزب الحر الدستوري التونسي في اكتوبر 1964، (مؤتمر المصير) في تجربة تنموية قوامها الاشتراكية.

وصرح المؤتمر في اللائحة العامة انه يعتقد ان الاشتراكية متأصلة في تيارات الحزب دون ان تكون اصولها حتما مشابهة لاصول الاشتراكية العلمية او الاشتراكية القومية المتعددة بحيث   لا يمكن ان يعتبر اختيار الاشتراكية بمثابة المفاجأة والقطيعة مع ماضي الحزب وسياسته منذ خلقه.



الاشتراكية الدستورية

وحدد مؤتمر «المصير» مبادئ الاشتراكية التي نادى بها وهي:

ـــ الايمان بأن الانسان غاية المجهود الجماعي وانه يجب على المجتمع ان يسعى الى اسعاده والرفع من مستواه الادبي والمادي وان يصونه من الاستغلال وان يضمن كرامته ويوفر له اسباب التمتع بحقه في الشغل وتساوي حظوظه مع سائر مواطنيه واحترام عقيدته الدينية وقيمه الاخلاقية.

ـ ان العمل الجماعي يستجيب الى ارادة الحزب، اولا في القضاء على الانانية والفردية المتطرفة المؤدية الى الفوضى والاحقاد وثانيا في التغلب على الطبيعة وعلى عاداتنا حتى نفتح لامتنا طريق النهضة والحضارة.

ـ ان مواطن النفوذ الاصلية في الميدان الاقتصادي لا يمكن الاضطلاع بها لاحد او لجماعة، وانما للدولة حتى تثمر نتائجها على الوجه الاكمل.

ـ ان التصرف في الملكية وظيفة اجتماعية يتحتم ان يخضع للمصلة العامة وان يكون اداة تحقيق للاهداف القومية وهو الشرط الاساسي الذي يمنح الملكية حق التمتع باحترام المجتمع وصيانة الدولة لها.

ـ ان الحزب كان دائما حزب الوحدة وان عقيدته وان كانت لا تنفي وجود اصناف او طبقات في المجتمع، فهي لا تقر حتمية تطاحن هذه الطبقات لبلوغ الاهداف المشتركة بل ان طريق الحزب هي صهر كل العزائم لبلوغ اهداف الاشتراكية صفا واحدا».



لم تنجح سياسة «الصف الواحد» في تحقيق «فرحة الحياة» للجميع، فقد افلس من افلس من المواطنين، وخاصة المزارعين والتجار، واثرى من اثرى ممن استغلوا تدني اسعار الاراضي والمواشي وغابات الزياتين التي هجرها اصحابها لتقع بين ايدي فئة جديدة من المالكين وجدوا في سياسة الانفتاح الاقتصادي في مطلع السبعينات، ما جعل منهم اثرياء تونس الجدد.

 

الصباح - محمد علي الحباشي