الصحافة والإعلام.. الثورة لم تمر من هنا

 

أكدت أحداث الأسبوع الماضي أن تصفية الصيغة القديمة لجهاز أمن الدولة على الصعيدين الإداري والقانونى أصبحت مسألة وقت، لكن تغيير العقيدة السياسية من عبادة الفرد إلى خدمة المجموع في جهاز الشرطة وفي كل أجهزة الدولة يحتاج إلى إرادة تغيير سياسية حقيقية تتمثل في برامج للفرز والإصلاح وضخ الكوادر الجديدة.

والإعلام بشقيه المطبوع والمرئي مع المسموع أخطر أدوات السيطرة بعد أمن الدولة وأكثرها تحالفًا معه، وما أثبتته الوثائق التي تم الكشف عنها وما نتوقعه في الوثائق المفرومة عن التعاون القديم، هو نفسه ما شاهدناه من استمرار معزوفات أمن الدولة حتى بعد رحيل مبارك.

ولا يحتاج إثبات ذلك إلى وثائق، بل إلى مراقبة تقنيات موحدة في مقالات تبدأ بمديح الشباب الطيب البرىء ثم تنتقل إلى محاولة عزله عن البرادعي (الرجل الذى أدفأ الشباب وكان وجوده فى الثورة حاسمًا منذ ظهوره فى الصورة). وبعد البرادعي انفتحت مجارير الإساءة بوجه الشيخ القرضاوي وجماعة الإخوان، لنكتشف بعد ذلك أن فلول أمن الدولة هي التي منعت الشباب من المنصة وهندست الميدان يوم جمعة القرضاوي ليبدو إخوانيًا!

في السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك لم يكن باستطاعة من يمتلك مقدار ذرة من ضمير أو حياء أن يضع يده في أيدي ذلك النظام.

وغياب الحياء الذي وضع تليفزيون وصحافة الشعب في خدمة ناهبي ثرواته، هو نفسه الذي يبقي الوجوه القديمة في أماكنها لا تتزحزح، وهذا أمر مستفز، ليس لأن الماضي موثق، بل لأن الألعاب مستمرة لتثبيت عبادة الفرد، وهذا يجعلنا نتشكك من هذا التباطؤ الملغز.

فى التليفزيون شبعنا من أحاديث حسد مقدمى البرامج على رواتبهم المليونية، وانشغل رئيس الوزراء السابق شفيق بمساومة محمود سعد على راتبه، وعرف الجميع مأساة المكافآت الإدارية العجيبة لرؤوس عصابة الإدارة.

ولو كانت هناك نية للتغيير لتركنا الحسد والفصال إلى إعمال القوانين واللوائح لمنع برامج الصحفيين وإعادة التليفزيون إلى الكادر الأساسى من أبناء الجهاز مع منع المكافآت الإدارية الباهظة.

دخل الصحفيون التليفزيون فى صفقة سياسية ليصارعوا كوادره مكتوفة الأيدى، للوافدين وحدهم سقف الحرية الويكيلكسى المتفق عليه (أى الهجوم بالقطاعى على شخصيات وسياسات فرعية) برواتب مليونية ولهم الضيوف السوبر الذين يحققون نسبة المشاهدة العالية مقابل رواتب بمئات الجنيهات وتضييق فى سقف الحرية وأسماء الضيوف لأبناء وبنات الجهاز!

وفى الصحافة القومية التى تلهط من أموال الشعب حتى بعد الثورة تفتح الصفحات الأولى فتجد الأسماء نفسها لرؤساء تحرير يمتلئ موقع اليوتيوب بفيديوهات لنوادر لقاءاتهم التليفزيونية التى ترشحهم ليكونوا رؤساء تحرير لصحافة القذافى وليس لصحافة مصر. وفى الصفحات الأخيرة تجد البارونات غير المضحكين من رؤساء التحرير السابقين الذين شاركوا فى اختيار المضحكين من سكان الصفحات الأولى.

وبين الصفحتين الأولى والأخيرة هناك ميكروباصات الرأى فى الصفحات الداخلية، حيث القليل من النبات المفيد والكثير من الأعشاب السامة.

ذرية بعضها من بعض. لكن سكان الصفحات الأخيرة هم الأخطر، لأنهم تشاركوا مع صفوت الشريف فى اختيار من يخلفهم فى سكنى الصفحة الأولى.

وقد تعاونوا مع الرجل الأخطر فى تاريخ الحقبة السوداء فى تدمير أجيال من الصحفيين عبر ثلاثين عامًا من الخنق الكامل للفرص. ينطبق ذلك على مؤسسات مثل أخبار اليوم ودار التحرير وروزاليوسف بأكثر مما ينطبق على الأهرام التى تمتعت بجيوب محررة خلقت كوادرها مثل مركز الدراسات.

بعد المنع الكامل للفرز وسد الطريق على المواهب المحتملة اختاروا الخلف الذى نراه، بحيث لم يعد رئيس التحرير يستمد احترامه من كونه الأكفأ، بل من آلة الدولة التى استوظفته ومن رشوة قطاع عريض من محرريه وتمرير كل الطلبات دون فرز، حتى رأينا قرارًا بتعيين ١٥ مدير تحرير لصحيفة أسبوعية، لا تحتاج إلى أكثر من هذا العدد من المحررين!

فوضى المناصب تحققت على صعيد كتابة الرأى، كل من يطمع فى مساحة يأخذها، فى صحافة حائط لا تعترف من فنون المهنة إلا بمقالات الرأى. ولا يستطيع رئيس التحرير العاجز أن يرفض طلبًا بمساحة، مادام يعرف أنه تولى بالموالسة.

وفى انعدام الحياء السياسى لن يتحرك أحد من سكان الأولى والأخيرة ليأخذ لنفسه جنبًا ويقول «كفاية» ليترك مكانه لجيل الثورة.

  

 عزت القمحاوي - المصري اليوم