الصين تودع الأرنب وتستقبل التنين

يستعد الصينيون لاستقبال عامهم الجديد «التنين» وفق تقويمهم الخاص الذي يحل في 23 كانون الثاني الجاري، بعد أن يرحل «عام الأرنب» الذي مر متثاقلا بطيئا وخلف ركودا اقتصاديا وغلاء في الأسعار واضطرابات اجتماعية، وتوقعوا أن يكون العام الجديد حافلا بالصعاب والتحديات، خاصة على الصعيد الاقتصادي، لكن يظل في اعتقادهم أن التنين الواثق بنفسه باستطاعته تجاوز الكثير من المحن.
وبدأت مظاهر الاستعداد لهذا الحدث ـ الذي يعدونه أهم عيد تقليدي يلتئم فيه شمل العائلة ـ مبكرا مقارنة بالأعوام السابقة، حيث شهدت محطات القطار والمطارات تدفق مئات الملايين من العمال المهاجرين وطلاب الجامعات في أكبر عملية هجرة موسمية في العالم، يتوقع خلالها أن تقل قطارات وطائرات الصين نحو ربع مليار مسافر.
وأفادت لجنة الدولة للتنمية والإصلاح بأنها سخرت أكثر من 3 مليارات رحلة لموسم السفر طوال 40 يوما بزيادة قدرها 9% عن العام الماضي، ليسجل هذا العام رقما قياسيا في عدد الرحلات وأعداد المسافرين التي ستصل بالقطارات وحدها إلى معدل 5000 قطار تقل نحو 6 ملايين راكب في اليوم.
طوابع وصناعات
أما الهيئة العامة للبريد فقد أصدرت مجموعة طوابع بريدية تقارب 400 مليون نسخة تحمل صورة تنين من عهد أسرة مينغ الصينية، وشهدت رواجا كبيرا منذ الساعات الأولى لإصدارها وبيع بعضها في السوق السوداء بمبلغ 300 يوان صيني (ما يعادل 47 دولارا)، بينما لم يتعد سعرها الحقيقي 24 يوانا (4 دولارات)، كما بيعت النسخ السابقة الصادرة قبل 12 عاما بمبالغ تجاوزت 1000 دولار في بعض الأحيان.
كما بدأ حرفيون وفنانون صينيون في عرض أعمالهم اليدوية التقليدية في الأسواق كفنون الورق المقصوص والخيوط المعقودة والتطريز، وجميعها تحمل نماذج مختلفة للتنين باللونين الأحمر والأصفر وهما لونا التفاؤل عند الصينيين، وتختص بعض القرى الصينية بهذه الصناعة، حيث يتفاءل الصينيون بها ويلصقونها على أبواب منازلهم بلونها الأحمر وأشكالها المختلفة كي تحل عليهم السعادة في العام الجديد.
أما ساحة يونغ دينغمن في العاصمة بكين فقد استعدت بنصب مجموعة فوانيس على شكل تنين لتدخل بها موسوعة غينس باعتبارها الكبرى في العالم، إذ بلغ طولها نحو 40 مترا بعرض 11 مترا وارتفاع 13 مترا.
سفينة نوح
وفي غمرة هذه الاستعدادات أثارت مشاهد الفيلم الهوليودي «2012» إلهام بعض الأذكياء الصينيين باعتباره تحدث عن نهاية العالم هذا العام وأنه لا عاصم للناس سوى سفينة نوح الافتراضية الموجودة في منطقة التبت الصينية التي وصل سعر تذكرتها في الفيلم إلى 10 ملايين يورو.
وقام بعض الظرفاء بعرض تذاكر مخفضة لتذكرة السفينة الوهمية على مواقع التسوق الإلكتروني بسعر لم يتجاوز نصف دولار للتذكرة التي سرعان ما تحول اقتناؤها أو إهداؤها إلى ظاهرة شعبية.
وقد ذكر موقع تاو باو، وهو أحد أكبر مراكز التسوق الإلكتروني في الصين، أنه باع عشرات الآلاف منها خلال أيام معدودة، وتحمل التذاكر المعلومات نفسها الواردة في الفيلم حول مكان وزمان المغادرة، لكنها تضيف ملاحظة واضحة بأنه على المشترين شراء تذاكرهم بأموالهم الخاصة وتقديم الأصول المصرفية التي تثبت ذلك.
عام الإنجاب
ولأن الصينيين يعدون أنفسهم «أحفاد التنين» فإنهم يتفاءلون بعامه وينصح بالإنجاب فيه وبالنظر إلى «سياسة الطفل الواحد» التي تفرضها الدولة منذ ثلاثة عقود فإن طموح أي أسرة صينية أن يكون طفلها الوحيد تنينا.
وتتوقع مصادر طبية أن يشهد معدل الإنجاب في البلاد ارتفاعا بنسبة 20%، ما دفع بعض المستشفيات إلى زيادة عدد الأسرة في أقسام الولادة وتحويل أقسام أخرى لا تشهد اكتظاظا وإلحاقها بأقسام الولادة.
شعرك أم خالك
وفي هذه الأيام التي تسبق العيد تشهد صالونات الحلاقة اكتظاظا غير مسبوق بما فيها الحلاقة على قارعة الطريق في هذا الطقس الشتائي القارس، فالجميع حريص على تزيين نفسه وقص شعره قبل أيام من بداية العيد.
لكن السبب في هذا لا يتعلق بالحرص على استقبال عام جديد بمظهر حسن ولائق فحسب، بل خوفا من وفاة الخال حيث يسود اعتقاد لدى الصينيين أن عدم قص الشعر مع بدء العام الجديد قد يودي بحياة الخال وبالتالي يحرم المرء من عيدية أو هدية قيمة.
البارود
وفي السياق بدأت محال الألعاب النارية والمفرقعات بنصب مراكز مؤقتة لبيع منتجاتها، ويعتقد الصينيون ـ الذين كانوا أول من اخترع البارود ـ أنه «لا عيد بلا مفرقعات» لطرد الأرواح الشريرة.
وتصل قيمة مبيعات المفرقعات والألعاب النارية ذات الأصوات العالية جدا والأشكال والألوان الزاهية إلى نحو 100 مليار يوان (16 مليار دولار) في فترة الاحتفال بالعيد، حيث يمنع بيعها واستخدامها في الأيام العادية داخل المدن.
وكانت السلطات الصينية قد حاولت منعها في سنوات سابقة لما تلحقه من أضرار كالجروح والحروق بمستخدميها أو بسبب امتداد آثارها لتطول المباني والممتلكات وتؤدي إلى اندلاع النيران فيها، غير أنها فشلت في تطبيق إجراءات المنع.
الحداثة والتقاليد
وفي بادرة هي الأولى من نوعها أثارت حملة «صداقة للإيجار» التي أطلقتها بعض المواقع التجارية على الإنترنت جدلا كبيرا في أوساط الصينيين، إذ عرضت خدمات تجارية جديدة للشباب الصيني الذين يعانون من الوحدة وممن لم تتسن لهم العودة إلى مدنهم وقرارهم لقضاء أيام العيد مع ذويهم.
واختلفت أسعار الإيجار بناء على طبيعة الخدمات المقدمة كالمرافقة والتسوق والحديث ووضع اليد باليد والعناق والتقبيل، وفق ما جاء في إعلانات الشركات التي قدمت أيضا صورا ووصفا كاملا كالوزن والطول والميزات والهوايات للشخص المستأجر.
ورغم ما أثارته الفكرة من جدل لم تحظ بإقبال فعلي كبير من الزبائن، بل إن البعض طالب بمنعها باعتبارها لا تتوافق مع تقاليد وعادات المجتمع الصيني.
يشار إلى أن أيام الاحتفال بالعيد وما يسبقها تساعد في تحريك عجلة الاقتصاد الصيني الداخلية، حيث يتوقع أن يتجاوز استهلاك الصينيين في هذه الأيام ما قيمته 450 مليار يوان (65 مليار دولار) بزيادة مقدارها 19% عن العام الماضي.
شام نيوز - وكالات