"العم أبو طلال" في ذمة الله

شام إف إم - هند الشيخ علي
في المرة الأولى التي زرت فيها العم أبو طلال في مكتبته التي أطلقها في الهواء، كنت قد خضت عراكاً داخل سيرفيس ألقى بي بالقرب من مبنى "سانا"، إذ كان الكل على عجالة، ومسألة الخروج فرداً فرداً شبه مستحيلة.
هاتفت صديقاً لي وسألته "هل من المعقول أن يختار بائع كتب مكاناً كهذا لبيع كتبه؟". ضحك قائلاً: "العم أبو طلال لا يبيع الكتب بل يريد من دمشق أن تقرأ".
بضع درجات تفصل مكتبة أبو طلال عن عالم الفوضى والأصوات المتناقضة وروائح الصرف الصحي، قطعتها نزولاً لا صعوداً، حيث أدركت وتعلمت ألا أطلق أحكاماً على ماهو في مقدمة المشهد، إذ غالباً ما تخالف دمشق المتعارف عليه، وتدفعك للذهاب إلى الخلفية، حيث تنام الحكايا الجميلة، وتفوح رائحة الياسمين بعيداً عن أشجارها.
لم يملك العم أبو طلال مكتبة بجدران ورفوف، صنع مكتبته في الهواء، في بقعة تشاركها مع آخرين تحت جسر الرئيس في منطقة البرامكة بدمشق. عرفه سكان دمشق القرّاء، ممن بقوا وممن رحلوا خارجها، وأصبح صديقاً لكل قارئ.
كيف أقصى رحيل العم أبو طلال ارتفاع الدولار وهبوطه وغلاء الأسعار وكل ذلك بعيداً عن سكان دمشق هذا المساء؟ هكذا ندرك أن بعض الأشياء لا يمكن للحرب أن تطالها.