الغد "الأردنية"- فلنعترف أننا تراجعنا كثيرا

مرّة أخرى، تثير الأزمة الحالية مع فضائية الجزيرة (باتهام الأردن صراحةً أو ضمناً بالمسؤولية عن التشويش على بث القناة لمباريات كأس العالم الأخيرة) الأشجان والقلق العميق مما آل إليه إعلامنا المحلي الرسمي والخاص، من ضعف القدرة على المنافسة وحمل الأجندة السياسية الوطنية، وليس الموقف الرسمي الحكومي.
المفارقة هذه المرّة، ومن باب الأمانة والموضوعية، أنّ الرد الرسمي الأردني من خلال البيان الحكومي، كان متميزاً واستثنائياً، وتبدو فيه لمسات نخبة عقلانية وواقعية وهادئة، لم نكن نحظى بها سابقاً، عندما كانت ردود فعلنا عصابية متشنجة، تُضحك الناس علينا، ويتندر بها الرأي العام المحلي، قبل الخارجي.
في هذه الأزمة، الوضع مختلف بالكلية، فالحكومة نفت ما ورد من اتهامات في الجارديان، ثمّ ردت على التقارير الإخبارية للجزيرة، ببيان دعت فيه إلى إرسال وفد ومحكّمين ومختصين، ووعدت بالتعاون الكامل في التحقيق، وبالخضوع لنتيجته.
وأحسب أن الرد الأردني محترم ومسؤول ومقنع، مبدئياً، بعيداً عن مجريات التحقيق المطلوب، وقبل أن تتكشّف تفاصيل القضية وخلفياتها، ومن ثم يصبح الحديث في إطار آخر، قانونياً وسياسياً ووطنياً.
حتى ما نُشر في الإعلام الأردني من تغطيات إخبارية ومقالات لعدد من الزملاء امتاز بالاتزان والاعتدال، والحوار العقلاني، والابتعاد عن الهجاء والشتم، وهذا يدعو إلى التفاؤل بأنّنا تجاوزنا الطريقة الفلكلورية بالتفكير الإعلامي.
مع ذلك، فإنّ الأجندة السياسية الأردنية ما تزال تفتقد إلى روافع إعلامية، وما تزال روايتنا لدى الرأي العام العربي والعالمي مهزوزة وتفتقد إلى المصداقية، وقد استطاعت مؤسسات إعلامية عربية تشويه مواقف الأردن وتعليبها بالطريقة التي تريد، وخلق "صورة نمطية" وانطباعات سلبية، لدى الرأي العام العربي والعالمي، بل وجزء من المحلي أيضاً.
من المسؤول عن ذلك الإخفاق الإعلامي المرير؟..
الجواب ببساطة هو المسؤول الأردني، الذي يتجاهل أهمية الإعلام المحلي، وحساسية استقلاليته ومصداقيته، وقد أصبحنا نشعر بالخجل من قرائنا لكثرة ما ردّدنا هذه "الأسطوانة المشروخة"، التي لا تجد آذاناً مصغية، ولا قراراً شجاعاً بانتشال الإعلام مما وصل إليه!
الذريعة الفارغة التي نسمعها من مسؤولينا تتمثّل بـ"فجوة الإمكانيات المالية"، التي تحول بيننا وبين المنافسة مع الإعلام المحترف الآخر. وفي الحقيقة الفجوة، مع الأسف، هي في الإرادة السياسية والجرأة على فتح المجال لإعلام محترف مستقل مهني له مصداقية، وإعلام حكومي مبادر، يستوعب الرأي العام المحلي والألوان المختلفة فيه.
لماذا يلجأ صحافيو العالم إلى الصحافة الإسرائيلية لمعرفة كثير من الأسرار والخبايا، ليس فقط عن إسرائيل وحدها بل عن المنطقة، وربما قصص البيت الأبيض؟! أجزم أنّ السبب لا يعود للإمكانات المالية، بل للمعلومات والاحتراف والسقف المرتفع والاستقلالية.
هل سنبقى عالةً على المعلومات التي توفرها هآرتس ومعاريف عن المفاوضات المباشرة، وتحمل في مضمونها الأجندة السياسية الإسرائيلية، وعلى الصحافة والإعلام الخارجي، بينما الإعلام المحلي "عاجز" حتى عن قضايانا الداخلية!
وهل سنبقى نخشى مناقشة شؤوننا المحلية هنا في عمان، فنقرؤها في الاندبندنت والجارديان والصحف العربية والعالمية والفضائيات الأخرى؟..
ألم يئن الأوان أن نعلم أنّ مواقفنا وروايتنا السياسية بلا إعلام حقيقي.. جميعها خاسرة، حتى لو كانت عادلة!
بالمناسبة، الإعلام ليس قصة صحافية أو مقالاً سياسياً، بل هو دراما تلفزيونية وأغنية وبرنامج حواري، وكتاب تاريخي موثّق.. فلنعترف أنّنا تراجعنا كثيراً، بدلاً من أن نتقدّم!
هل هذه الحال فقط في الإعلام، ما رأيكم؟!
الغد - محمد أبو رمان