الــــرأي العــــــــــــــــام

 

ساهرة صالح. شام نيوز

 

إنها نظرية ، لطالما استخدمناها بأدق تفاصيل حياتنا اليومية و الأسبوعية و الشهرية و حتى السنوية ،أحيانا مع سبق الإصرار و الترّصد، و في أحيان أخرى بشكل غريزيّ ..

 


ففي البيت مثلاً إن كنت ترغب بتغيرٍ ما أو في الحصول على شيء ما ، عليك بحشد الرأي العام المتمثل بأفراد العائلة حتى تستطيع القيام بما تنوي القيام به عن طريق دعم عائليّ يشكل أداة ضغط على صاحب القرار إن لم تكن أنت ...

 


وفي العمل ، إن وجد ثمة من ينغّص عليك تطوّرك المهني ( الذي تستحقه بجدارة طبعا ) ما عليك صديقي الموظف إلا أن تمارس نظرية الرأي العام ، و التي نطلق عليها بالعامية ( طق البراغي ) و تنطلق بحملة إعلامية مضللة بين زملاء العمل ضدّ من ترغب بالتخلص منه ..

 

ومن الأمثلة هناك الكثير مما ينطبق على تصرفاتنا و رغباتنا و توجهاتنا ، في شتى الميادين و المحافل و المنازل ...

و حتى في الأزمة الأخيرة التي تمر بها سوريا ، نجد أن كل فرد منا يحشد الرأي العام بين الأصدقاء أو الأقارب أو زملاء العمل ، لما يخصه هو نفسه من أفكار و نظريات و تحليلات ، ليكون إنتصاره هذه المرة عندما يرى علامات الإعجاب ظاهرة على وجوه الأخرين و ينطق بعدها أحدهم بكلمة ( والله الحق معك ) ...

متناسيا أن أي إنتصار بالكلام يحققه لنفسه لا لوطنه ، سيكون وبالا على بلد بأكمله ، كأن نسمع من بعض جهابذة الثقافة أن التدخل الأجنبي في سوريا سيعطينا مساحة أكبر من الحرية و سيكون خيرا على البلاد ، حتى لو أراد اولئك الذين قرروا التدخل أن يحتفظوا لأنفسهم ببعض الخيرات النفطية أو ما شابه ....

 
 أو أن نسمع منهم مثلا أن المواطن السوري يلقى من الجيش السوري ما لم يلقاه الفلسطيني من الجيش الإسرائيلي ، و يسند لحديثه البراهين و الأدلة ، في محاولة منه لحشد الرأي العام ضد الجيش الوطني ...

 


و كأنهم يطالبون عبر ما يحملونه من لافتات ، يستجدون بها الرأي العام بإحتلال جديد يكون على هواهم ، أي إحتلال خمس نجوم ، يسمح لهم بحرية التعبير و بتداول السلطة بشكل سلمي و ديمقراطي و يعزز اقتصاد البلد و يمنحهم جوازات سفر لا تجبرهم على الوقوف على أبواب السفارات لإستجداء تأشيرات الدخول و يسحب القليل فقط من خيرات الوطن و يضع القليل فقط من القواعد العسكرية و يسجن و يقتل القليل فقط من المواطنين الجاهلين الرافضين وجوده على أرضهم ، و يطّبع العلاقات قليلا فقط مع إسرائيل و يقسم البلد فقط إلى أربع أو خمس دويلات و أخيرا يسمح بدخول البضائع و المنتجات الأجنبية التي طالما حلمنا بها و حرمنا منها ...

 


إنه الرأي العام هو الذي يُضلل الآن في الداخل و الخارج . ليس عما يفعله الأمن و الجيش فقط ، بل عن وطن ينتحب حزنا على رجال و نساء منه ، خانوه بقلوبهم قبل قولهم و فعلهم مبررين بأنها مجرد و جهة نظر ...

 
فهل أتى اليوم الذي تنبأ به الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني إذ قال :

(( سيأتي يوم تصبح الخيانة فيه مجرد وجهة نظر ))