"الفرفورة" تطرب مدينة الطرب حلب!!

استقبلت حلب عاصمة الموسيقا الشرقية عامها الجديد على أنغام دومينيك حوراني بحضور أكثر من 4000 مستمع أُعلن من خلالهم على نجاح وجماهيرية الحفل، وهكذا أجبرت ديمقراطية الاختيار القلعة الموسيقية العريقة على الرضوخ وفتح بوابتها لاستقبال كافة ألوان الغناء وذلك خوفاً من أن توصف بالديكتاتورية فتحكم بالنفي إلى واحد من المعتقلات المخصصة لمن لا يأمنون بالحرية وتباين الأذواق التي أوصلت أغنية "الناطور" إلى المرتبة الأولى في استفتاءات العام 2010.
قطع صلة الرحم بين جمهور الحاضر وسلاطين الطرب في الأمس هو ما بدأ يظهر للعيان، فالسميّعة الحلبيين الذين أخضعوا محمد عبد الوهاب في منتصف القرن الماضي إلى ما يشبه اختباراً موسيقياً في أول حفل له في رحابها وكان عليه اجتياز الامتحان قبل أن يعلموا الجمهور بأنه يستحق الاستماع إليه، فالطرب الحلبي ومدرسته الشامخة شكلت على مدار السنين نهجاً موسيقياً حافظت عليه الشهباء لذا وصف إيليا أبو ماضي أبناءها قائلاً "حيثما لقيت حلبياً فأنت مع فنان أو ذوّاقة فنّ".
الطرب الذي رسم الخطوط الأساسية وأظهر عشق أهل المنطقة لألوان الفنون الأصيلة كان مرتكزه عنوان عريض تربعت القدود الحلبية في قمة عرشه، وإن كان هذا النوع لا يشكل قالباً موسيقياً خاص؛ لكنه تراث حملته الأجيال وتناقلته عبرها؛ حيث نشأت القدود من خلال استفادة الشعراء والموسيقيين من الألحان العذبة التراثية ورغبة منهم في الحفاظ عليها وإبقاءها متداولة استبدلوا كلماتها بأخرى شعرية وشاعرية ولذلك جاءت على (قد) الكلمات الأساسية مع الحفاظ على اللحن الأصلي، وترجع تاريخية ابتكار القدود، بحسب الموسوعة البريطانية، إلى الملفان مار افرام السرياني الذي استفاد من بعض الألحان الموضوعة خارج الإطار الديني ليدعو الناس إلى حضور الكنيسة وبذلك تكون القدود التي نظمها الأقدم وتعود إلى عام 306 م.
أما الموشحات التي عادت من غرناطة في الأندلس، يرجع تأسيسها إلى الموسيقي زرياب تلميذ إسحق الموصلي موسيقار الخليفة العباسى هارون الرشيد، إلى عاصمة الموسيقا الشرقية لم تبقى على حالها حيث أضيفت لها تحسينات كثيرة ساعدت في تطويرها، فحافظ الحلبيون على طريقة غنائها فقط دون التقيد بالنظم؛ ورغم اتباعهم أسلوب الأندلسيين في التلحين إلى أنهم خالفوهم في المقامات، وبذلك حافظت سيدة الموشحات، حلب، على صدارتها في الإبقاء على هذا اللون الموسيقي ولم يكتفي أبناء الشهباء بذلك فأضافوا للفن رقص السماح، الذي يعود الفضل للفنان الحلبي عمر البطش في تطوير هذا النوع جاعلاً حركات الأيدي والأرجل خلال الرقص تنطبق مع إيقاعات الموشحات؛ بحيث يختص كل إيقاع إما بتنقلات الأيدي أو الأرجل أو يجمع الاثنتين معاً.
إذا كان انفصام الشخصية أقرب تشخيص لما تعاني منه الشهباء في مطلع العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، بعد رضوخ أبنائها لتذوق مشاهد تلهب سهراتها بصرياً فقط، فإن الأمل في الشفاء يبقى مزروعاً داخل حناجر المبدعين الحلبيين على أن يعودوا مجدداً فيحيوا الحفلات وينيروا السهرات التي كانت مقصداً لجميع العالم، و لا يترك "السميّعة" مع نشاز موسيقي وصخب إعلامي مرافق يروج من أجل نجاحات عارية بعيدة عن ذوق وأصول الفن الأصيل، عندها يمكن أن تعود الأيام التي كانت فيها قلعة الموسيقا قبلة ومحجاً يفتخر كل مطرب بالغناء فيها.
شام نيوز- جاك قس برصوم- حلب