الفلسطينيون وسط أتون الثورات العربية

 

في الوقت الذي كانت فيه القضية الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني عامل إيقاظ وصحوة للعرب من المحيط إلى الخليج، وكانت في وقت من الأوقات، وستصبح في يوم آت، نقطة التقاء وتوحيد للأمة العربية والإسلامية, فإن الثورات الشعبية التي يموج بها العالم العربي ربما تقفز عن معاناة الشعب الفلسطيني في تلك الدول، اكتفاء بالدعوات للإصلاح وربما تغيير الأنظمة التي خرجوا عليها.

وليست تونس مثالا على معاناة فلسطينية في تلك الدولة، لأن نسبة العمالة وعدد الجالية الفلسطينية هناك قليل، كما لم تحدث إغلاقات للمطارات والموانىء طيلة الفترة التي استغرقتها الثورة التونسية. أما بالنسبة لكل من مصر وليبيا فالحال اختلف، والمعاناة الفلسطينية هناك أكبر.

فمصر، التي هي مدخل قطاع غزة إلى العالم الخارجي، تستقطب عشرات الآلاف من الغزيين الذين يقصدونها إما للدراسة أو العلاج أو زيارة أقاربهم أو حتى الانتقال منها لدول العالم الأخرى، أغلقت معبر رفح أمام الغزيين. وكان أحد القرارات الأولى للمجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية هو منع دخول الفلسطينيين إلى مصر. ولا نعرف السبب في هذا الإجراء، ولماذا تم انتقاء الفلسطينيين دون سواهم لتغلق الحدود والمطارات المصرية في وجوههم؟ أم إنهم هم الحائط الأكثر انخفاضا والذي يقفز عليه الجميع؟

وحتى الآن ما يزال معبر رفح مغلقا أمام المغادرين إلى مصر، رغم مرور أكثر من شهر على ثورة ٢٥ كانون الثاني التي من أول مطالبها فتح معبر رفح بشكل كامل ودائم أمام حركة المسافرين والسلع غير الأمنية. والسؤال هو :ما لذي يمنع فتح المعبر أمام العالقين الذين يريدون الالتحاق بجامعاتهم أو العلاج في الخارج، أو غيرهم من الذين تقطع بهم السبيل في الجانب الفلسطيني من المعبر؟

وهناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين العاملين في ليبيا، والذين لا تتحدث عنهم وسائل الإعلام العربية والدولية وعن أحوالهم في خضم الأزمة الليبية الدامية. ومع أن الفلسطينيين يدركون جيدا أن عدم تورطهم بالانحياز لهذا الفريق أو ذاك، سواء في ليبيا أو غيرها، هو في مصلحتهم الشخصية ومصلحة القضية الفلسطينية عامة، فهناك دائما من يصر على توريط الشعب الفلسطيني في قضاياه لغايات وأهداف قطرية، حتى لو كان الثمن هو المزيد من المعاناة للفلسطينيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الثورات الداخلية، التي لم ترفع أي منها صراحة شعار نصرة الشعب الفلسطيني، وحتى لو رفعته فهذا واجب قومي، وليس مزادا لهذه المجموعة أو ذلك النظام.

كل الشعوب العربية لها جاليات ومصالح في الدول التي تجتاحها الثورات الشبابية الراهنة، لكن هذه الدول تمتلك من وسائل النقل والطائرات والسفن ما تعيد به مواطنيها بأمن وسلام إلى ديارهم. أما الفلسطينيون الذين لا يملك الكثيرون منهم إمكانية العودة إلى فلسطين، فهم أحوج الناس إلى الرعاية العربية والدولية. والمفروض أن تعرض الجهات الفلسطينية المسؤولة إحصائيات عن أعدادهم في كل دولة، وعن أحوالهم وما قد يكونون قد تعرضوا إليه من اعتداءات. وعدا عن السماح بعودة ٣٠٠ فلسطيني من ليبيا، فلم نسمع أي جديد عن أحوال جاليتنا في ليبيا. فهل هذا معقول، ومن المسؤول عن هذا التعتيم؟

 

حديث القدس