الفيتو الروسي وضرورة البحث عن مقاربات جديدة للأزمة السورية

 بات من شبه المؤكد أن روسيا ستفعلها مرة أخرى وتستخدم سلاحها الأمضى، حق "الفيتو" في مجلس الأمن ضد أي قرار دولي للخروج بحلول للأزمة السورية انطلاقاً من المبادرة العربية المعدلةز فسيل التصريحات الأخيرة من وزارة الخارجية الروسية يشير بوضوح إلى رفض المقاربات المطروحة للحل، ويشير تجاهل الوزير سيرغي لافروف لحضور نظرائه وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لجلسة مجلس الأمن  الى أن موسكو ستبقى ثابتة على موقفها رغم حجم الضغوطات الكبيرة من الجانبين العربي والغربي على حد سواء، لكن هذا لا يعني إغلاق الباب على مقاربات جديدة لحل الأزمة السورية.

خلفيات وثوابت الموقف الروسي من الأزمة السورية

بعد الفيتو الأول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أجمعت معظم التحليلات على أن موسكو قدمت آخر ما لديها لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وأنها سوف تضغط عليه باتجاه تبني إصلاحات حقيقية، وعرضت المساعدة في تنظيم حوار مع المعارضة، لكن الجهود الروسية لم تصل إلى الغاية المنشودة لأسباب تحتاج إلى مقالات كثيرة، ولكن لعله من المفيد التطرق إلى تغيرات جذرية طرأت منذ ذلك الحين، فتبرير"فلسفة المواجهة" المقتضب الذي أعلنه مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن فيتالي تشوركين عقب الفيتو الأول، تلاه عشرات التصريحات التي تكشف الرؤية الروسية لمقاربة الأزمة السورية، تجلى في بلورة مشروع قرار أممي جديد أقوى بكثير من آخر كانت موسكو طرحته منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وتنطلق روسيا في نظرتها إلى الأزمة السورية، والمخارج المقترحة للخروج منها، من ثوابت في التعاطي مع مجموع التغيرات في العديد من البلدان العربية تقوم على "أن تكون ردود أفعال المجتمع الدولي على التوجهات الداخلية في بعض الدول مسؤولة ومتزنة بأعلى درجة ممكنة، كما يجب حل المشاكل القائمة بطرق سلمية، مع احترام الدور المركزي لمجلس الأمن الدولي لضمان السلام الدولي والأمن".

ثوابت الموقف الروسي..

يتلخص موقف موسكو من الأزمة السورية في مشروع القرار الذي قدمته إلى مجلس الأمن الدولي، بالتشاور مع بكين، ويرتكز إلى مجموعة من النقاط الرئيسية:

النقطة الأولى: "الحل يتم من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية"، مع التشديد على التزام الحكومة السورية بتنفيذ برنامج الإصلاحات الذي أعلنت عنه، بجدولة زمنية واضحة، وحل القضايا الخلافية بالحوار بين السلطة والمعارضة. بما يشمل "تسريع التقدم نحو التعددية السياسية من خلال اعتماد قانون انتخابي جديد وإصلاحات دستورية".

النقطة الثانية: "مطالبة جميع الأطراف في سورية بوقف العنف، بما في ذلك الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل السلطات السورية، وإدانة نشاطات المجموعات المتطرفة، بما في ذلك الهجمات ضد مؤسسات الدولة وموظفي حفظ النظام"، واتخاذ السلطات السورية إجراءات تكفل "تخفيف حدة الوضع الإنساني في المناطق المتأزمة، والسماح بالوصول السريع ومن دون عوائق للمساعدة الإنسانية والدولية ووسائل الإعلام الدولية، والتعاون الكامل مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان"، وكذلك "الإفراج عن جميع المعتقلين بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير". والإعراب عن قلق بالغ إزاء "التزويد غير المشروع بالأسلحة للمجموعات المسلحة في سورية، وحث "الدول المجاورة وغيرها لاتخاذ الخطوات اللازمة لمنع عمليات التزود هذه".

النقطة الثالثة: دعوة السلطات السورية إلى "محاسبة جميع المسؤولين عن أعمال العنف وبدء تحقيقات فورية ومستقلة وحيادية في جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان، واستكمال التحقيقات التي قامت بها اللجنة القضائية السورية في جميع الحوادث، التي قتل أو جرح فيها مدنيون وعناصر أمن.. ووضع حد لمنع أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير".

النقطة الرابعة: "ضرورة حل الأزمة الحالية في سورية بالطرق السلمية من دون أي تدخل عسكري من الخارج"، وأن لا يحمل أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ما يمكن أن يفسر على انه "تفويض بأي نوع من التدخل العسكري في سورية من قبل أي كان". وبناء عليه دعوة "كل جماعات المعارضة السورية على أن تنأى بنفسها عن المتطرفين، وأن تقبل مبادرة جامعة الدول العربية، وتدخل من دون شروط مسبقة في حوار سياسي مع السلطات السورية".

حيثيات الاعتراض الروسي على مشروع القرار الأوروبي-العربي..

تعتبر موسكو أن صيغة القرار الحالية غير متوازنة، وتحتاج إلى تعديلات جوهرية لضمان عدم تكرار التجربة الليبية.

وينصب الاعتراض الروسي على الفقرة الرابعة من "المبادرة العربية المعدلة"، التي أقرها مجلس وزراء الخارجية العرب في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، وتقضي هذه الفقرة "بتفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية"، علماً بأن موسكو  كانت قد وافقت على المبادرة بنسختها الأولى في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وشجعت الحكومة السورية على قبولها، والتوقيع على البروتوكول الخاص ببعثة المراقبين العرب. كما ترفض روسيا فرض أي عقوبات سياسية أو اقتصادية على سورية، وتتمسك بالإطلاع رسمياً على تقرير رئيس بعثة المراقبين العرب قبل البت بأي قرار يصدر عن مجلس الأمن.

وفي خلفية المطلب الأخير ترى روسيا بأنه من غير الجائز تجاهل ما ورد في تقرير الفريق أول محمد مصطفى الدابي(رئيس بعثة المراقبين العرب) من استخلاصات مبنية على التقارير الميدانية للمراقبين العرب في المدن والمحافظات السورية التي تشهد توترات. وتنوه موسكو إلى أهمية الانتباه إلى ما خلصت إليه البعثة في تقريرها من أن المواطنين السوريين لديهم "اقتناع بضرورة حل الأزمة السورية بصورة سلمية، وفي الإطار العربي دون تدويل، حتى يتمكنوا من العيش في سلام وأمان، وتحقق عملية الإصلاح والتغيير المنشود".

وتؤكد روسيا أن تقرير الدابي وثيقة رسمية مهمة، يجب التعاطي معها بجدية، ما دامت الجامعة العربية لم تدحض ما جاء في تقرير رئيس بعثة مراقبيها. ويعد هذا التقرير من وجهة النظر الروسية أقرب إلى المصداقية من "تقرير مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة"، لأن مصدر المعلومات في تقرير المفوضية بُنِي على التعامل مع "الشكاوى على أنها حقائق برغم أن مصدرها هم الناشطون أنفسهم"، وإهمال ما تدلي به الحكومة السورية.

وتعلل روسيا رفضها للفقرة المذكورة أعلاه بالخشية من أن تستخدم ككرة متدحرجة لمشاريع إسقاط النظام السوري في سياق مخطط لتفكيك الدولة السورية، كما حصل في ليبيا، التي تعيش الان مرحلة ضبابية تحفها الفوضى وصراعات الميليشيات القبلية والجهوية المسلحة. أما رفضها لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على سورية فينطلق، كما أوضح الرئيس الروسي دميتري مدفيديف، من رفض روسيا لـ"تشريع عقوبات أحادية الجانب لإسقاط الأنظمة".

مرحلة بعد الفيتو الثاني

مع تضاؤل الأمل بحصول انفراجة في جهود "ربع الساعة الأخيرة" لتمرير مشروع القرار الأوروبي - العربي في مجلس الأمن تفتح مرحلة جديدة لإيجاد مقاربات من نوع مختلف، فالدعوة الروسية للحوار بين النظام المعارضة واجهت رفضاً سريعا وحاسما من المجلس الوطني السوري المكون الرئيس للمعارضة السورية التي تصر على "مفاوضات" لترتيب الانتقال السلمي لما بعد الأسد، وفي مقابل رغبة موسكو الضغط على المعارضة، والمطالبة بوقف تمويلها ودعمها لوجستيا وإعلامياً لإجبارها على حوار يمكن أن تقبل روسيا نتائجه أيا كانت، فإن بعض البلدان العربية والأوروبية قد تعلن الاعتراف بالمجلس الوطني السوري، ومواصلة التضييق اقتصادياً وإعلامياً على النظام في ظل انعدام الخيارات العسكرية المباشرة، إضافة إلى تقديم مزيد من الدعم للمعارضة "المسلحة" لتقويتها وفرض وقائع جديدة على الأرض خصوصا في ظل الحديث عن اقتراب الأحداث من مشارف العاصمة دمشق، وسيطرة "الجيش الحر" على مناطق حدودية، أو حتى في قلب مدن وبلدات سورية.

ضرورة البحث عن مقاربات جديدة

ورغم تبني روسيا موقفاً أقرب ما يكون إلى رؤية النظام السوري للحل، فإن هذا لا يعني أن موسكو لن تكون منفتحة على مقاربات جديدة للأزمة شرط أن تضمن استبعاد السيناريو الليبي بأي شكل من الأشكال، وعدم خسارة الحليف الأخير لها في المنطقة، لأن خسارة "سورية" تعني خروج روسيا من منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتراجع دورها في الصراع العربي الإسرائيلي. كما تسعى روسيا إلى مقاربة  إقليمية لا تقوي دور تركيا على حسابها وحساب حليفتها إيران في الشرق الأوسط ومنطقة آسيا الوسطى الحيوية.

 وأخيراً فإن التدويل، الحاصل حسب رأي كثير من المراقبين، لن يحل المشكلة، التي تحسم على أرض سورية والتي من الأفضل حلها بطرق ومقاربات مختلفة حددها الرئيس مدفيديف عندما صرح سابقاً أن سورية أمام خيارين لا ثالث لهما: إجراء الإصلاحات و"التغيرات المطلوبة أو رحيل النظام"، مع التأكيد على قرار الرحيل، في حال لم تنفذ الحكومة السورية التزاماتها، "يجب أن يتخذه شعب سورية وقيادتها، وليس الناتو وبعض الدول الأوروبية".

ولعله من المفيد بعد الفيتو الروسي المقترح أن تدرس اعتراضات موسكو ومخاوفها على محمل الجد من قبل المعارضة السورية والأطراف الخارجية وفي مقدمها جامعة الدول العربية التي ربما توجب عليها تدارك الخطأ الذي ارتكبته بعدم التوجه إلى موسكو قبل مجلس الأمن لبحث الموضوع السوري لصوغ مقاربات مناسبة توقف نزيف الدم وانزلاق البلاد إلى مستنقع حرب طائفية قد تشعل المنطقة بأكملها.

 

 

شام نيوز. روسيا اليوم