القدس- هل يئست اوروبا من اسرائيل

عمل الغرب، طوال العقود الستة الماضية، على "خلق" وتثبيت اسرائيل فقام بتسليحها حتى باتت خطرا على الغرب ومصالحه في العالم وفي الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أصبحت عالة على الغرب بتكلفتها الاقتصادية والسياسية بل والاخلاقية. ومن اللافت، القلق الذي يبديه الغرب من نهج الساسة الاسرائيليين الحاليين، حيث لم يعد هذا الغرب يملك تفسيرا للأسباب التي تدعو إسرائيل للقيام بما تقوم به سواء بشأن الاستيطان في الضفة وفي القدس، أو في تعاملها مع الحصار على قطاع غزة. فشعوب العالم رأت وعبرت عن رفضها للممارسات والانتهاكات التي بلغت أشدّها في القطاع الذي وصفه مؤخرا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه "معسكر اعتقال مفتوح". وللمرة الأولى في تاريخ اسرائيل ترتفع أصوات في أرجاء المعمورة تطالب بمحاسبة قادة سياسيين وضباط وجنود إسرائيليين عما ارتكبوه من انتهاكات ضد غزة، فتعقد الندوات، ويتفاعل رجال القانون عبر الحدود، لإعداد القضايا والدعاوى ضد مرتكبي هذه الانتهاكات لتقديمهم إلى القضاء، فيما لم يزد الأمر إسرائيل إلا تطرفا وعنجهية.
قبيل حرب 1967، كانت صورة إسرائيل – عموما - إيجابية لدى الرأي العام الغربي، إذ سادت قلة وعي للانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون، ونظر إلى إسرائيل بوصفها الضحية التي دافعت عن نفسها ضد الجيوش العربية التي أرادت "رميها في البحر"!! ولأن الشعور بالذنب إزاء المحرقة اليهودية (الهولوكوست) كان يلقي بظلاله بقوة على الغرب، ترسخت صورة الإسرائيليين بوصفهم ضحايا، فجرى تصوير الإسرائيليين الاوائل في أذهان الرأي العام الغربي على أنهم مسالمون أقاموا ديموقراطية نادرة في الشرق الأوسط!! علاوة على ذلك، جسدت إسرائيل آنذاك دولة أوروبية وغربية حيث كان غالبية سكانها أوروبيين، بل نظر إلى هويتها وخطابها السياسي على أنهما غربيان تماما. بيد أن حرب 1967 كانت نقطة تحول في معظم هذه الأنماط. فقد غير انتصار اسرائيل الصاعق صورتها دوليا من "الضحية" إلى "القاهر". وبانتصارها، أصبحت إسرائيل قوة استعمارية محتلة، لا سيما في الضفة والقطاع. ومع مرور السنين، تم – صهيونيا وغربيا - استبدال صورة الإسرائيلي المستضعف بالقوي القهار!!! لكن سرعان ما استعيض عن صورة إسرائيل الديموقراطية والمجتمع الحديث، بصور حواجز التفتيش وأعمال القمع ومصادرة الأراضي والجدران الفاصلة والغارات العسكرية. ومع موجات المهاجرين الروس (1990) أكملت إسرائيل تحولها الديموغرافي حيث لم تعد المقومات الديموغرافية ولا الخطاب السياسي تلاقي صدى في الكثير من الدول الغربية فتناقص اليوم عدد أصدقائها في أوروبا، وبرزت صورتها البشعة جدا لدى الرأي العام في أوروبا بل وفي العالم.
ومع أن الولايات المتحدة هي إحدى آخر حلفاء إسرائيل الحقيقيين، ثمة دلائل على تحول عندها فقد هاجم أكاديميون وسياسيون وعسكريون بارزون علنا تأثير اللوبي الإسرائيلي "ايباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما برز "جي ستريت" اللوبي اليهودي الجديد للطعن في سياسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني مؤكدا على خطورة السياسات الإسرائيلية ضد المصالح الأمريكية، بل وتعارضها مع المصالح القومية للولايات المتحدة.
ومع تراجع صدقية إسرائيل في الغرب، أصرت الأولى على إبقاء الصلة بالمحرقة حيّة، وأن يتم تمييزها كدولة خاصة ذات وضع خاص كضحية.
ورغم استمرار القادة الإسرائيليين بالرد على مهاجمي دولتهم عبر تصنيفهم بأنهم "معادون للسامية"، ورغم عدم قبول معظم دول العالم لاستمرار "الاستثنائية" الإسرائيلية، فإن على العالم، اليوم، الوقوف بجدية أمام أساليب اسرائيل وانتهاكاتها التي لا تنتهي، والتي لو كانت ارتكبت في أي أرض أخرى وضد أي شعب آخر لأقامت "الديمقراطيات" الغربية الدنيا ولم تقعدها! ويكفي أن نختم بما قاله الكاتب الإسرائيلي (جادي طؤوف): "عندما كنا دولة تحقق حق المصير (لليهود)، أيدنا العالم الديمقراطي في الجزء الأكبر منه. وعندما صرنا دولة تسلب (الفلسطينيين) حقهم في تقرير المصير، أصبح العالم نفسه يكرهنا. هذه هي الروح التي أسقطت الفصل العنصري في جنوب افريقيا، وهي ليست روحا معادية للسامية. سيوقفنا الاستيطان، وهو البرهان الوحيد في نظر العالم على أننا نتجه إلى فصل عنصري يهودي في أرض إسرائيل، في المكان الذي وقفت فيه جنوب افريقيا في الثمانينيات ومطلع التسعينيات اذ كانت دولة معزولة منفية انتهت إلى الانهيار"!
القدس - اسعد عبد الرحمن - 26 - 8 - 2010