القدس-صحافية اسرائيلية: ثمانية شبان فلسطينيين يحاكمون بجريمة لم يرتكبوها

تل ابيب -  - بعد مضي عامين رفضت المحكمة العسكرية الاسرائيلية قضية ضد شبان فلسطينيين عندما سحب الادعاء العام دعواه منها. وقد ظل المتهمون يرفضون الاقرار بالذنب ويقولون انهم ابرياء طيلة تلك الفترة، وانهم كانوا في مدارسهم عندما القي القبض عليهم.

وقالت الصحافية الاسرائيلية عميرة هاس في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية اليوم إن ثمانية مراهقين فلسطينيين حوكموا أمام محكمة عسكرية برئاسة الكولونيل منشي فحنيش يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. وفي إشارة إلى احد جنود لواء كفير، قال فاحنيش "في هذه المرحلة ، ليس هناك سبب للتشكك في اقوال الشاهد". وحسب إفادة الجندي ت. م. وعدد من زملائه أمام الشرطة يوم 30 تشرين الأول (أكتوبر) اعتقلوا عددا ممن قالوا انه يقذفون الحجارة على سيارات اسرائيلية، وهم من الفلسطينيين في سن 16 عاما، وكانوا كما ادعى هؤلاء الجنود كانوا على طريق يصل بين مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين جنوب بيت لحم ومدرسة زراعية في منتصف الطريق.

كما لم يجد فاحنيش كذلك مجالا في رأيه للتشكيك في الروايات التي أدلى بها جنديان آخران من سرية في لواء كفير هما ل. ج. وزميله ج. د، اللذان شكلت إفادتاهما لدى شرطة عتصيون أساس الاتهامات التي قدمها الجيش للمدعي العسكري ضد الفلسطينيين. وبموجب لائحة الاتهام، فإن ثمانية مراهقين قذفوا الحجارة "من مسافة حوالي 20 مترا على سيارات اسرائيلية كانت تسير على الطريق 60، بنية الإضرار بالسيارات أو ركابها".

وبعد اعتقالهم، أمر القاضي أن يبقى المعتقلون- وجميعهم طلاب في مدرسة العروب الزراعية- رهن الاحتجاز حتى انتهاء محاكمتهم. وتمديد الاعتقال (مثلا إبقاؤهم في الحبس حتى نهاية الإجراءات القضائية) هو في اكثر الاحيان الخيار الافتراضي المفضل من جانب المحاكم العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية، التي ينتمي اليها كل المتهمين أمامها. وعندما يتهم المعتقلون بجنح هامشية (مثل إلقاء حجارة أو المشاركة في تظاهرة)، وخصوصا عندما يكونون من القاصرين، فإن الفترة التي يقضونها في الاحتجاز تزيد عن عقوبة السجن المحتملة. ولذلك يشعر المتهمون أن عليهم ضغطا للتوصل إلى صفقة مع الادعاء والاعتراف بأنهم مذنبون، حتى وان كانوا أبرياء أو عندما تكون الأدلة ضعيفة. ولكن في هذه المرة لم يكن الضغط فعالا كما يبدو.

وفي إفادات الجنود أمام الشرطة قالوا إنهم طاردوا قاذفي الحجارة وأمسكوا باولئك الذين لم يستطيعوا الوصول إلى باحة المدرسة، من ناحية ثانية، قالوا إنهم كانوا داخل صفوفهم وأن عددا منهم كانوا يقدمون امتحانات، عندما اقتحمت ثلاث سيارات جيب وشاحنة حرم المدرسة. وبحسب الشهود الفلسطينيين، اخترقت السيارات العسكرية الاسرائيلية سياجا ثم قفز الجنود منها وأخرجوا بالقوة 20 طالبا من صفوفهم.

ولم يعط فاحنيش مصداقية كبيرة للحجج التي قدمها محاميا الدفاع محمود حسان وناصر نوباني. واعتمد دفاعهما إلى حد كبير على ما وصفوه بصورة فوتوغرافية واضحة تعود ليوم 30 تشرين الثاي (أكتوبر) التقطها طالب، يبدو فيها 20 طالبا جالسون على سياج حجري منخفض، بدون قيود أو عصبات أعين، في ساحة المدرسة. وتم اختيار الطلاب الثمانية من مجموعة العشرين هذه، كما يقول حسان، وهو من جمعية حقوق الإنسان ومؤسسة الضمير لدعم الأسرى.

حسان قدم استئنافا، وأمضى المراهقون الثمانية تسعة أيام أخرى وراء القضبان قبل أن يقرراقاضي الكولونيل يورام هانييل من محكمة الاستئناف العسكرية إطلاق سراحهم بكفالة.

وكتب هانييل :"في الأساس فإن المدعي العسكري يستند في مواقفه على إفادات الجنود المسؤولين عن الاعتقال موضوع الاستئناف. ولسوء الحظ، لم يقدم الجنود تفصيلات عما وقع، ولا أعطوا وصفا تفصيليا عن الكيفية التي جلبوا بها كل المستأنفين إلى المحكمة".

وأمر قاضي الاستئناف كل مراهق بتقديم كفالة قدرها 7500 شيكل لكل منهم. وبالنسبة للمتهمين الثمانية الذين لا يملك آباؤهم دفع نفقات السفر لحضور جلسة الاستئناف في عوفر، كان
 

 

ناصر جابر، احد المحتجزين الثمانية

هذا مبلغا من المستحيل توفيره. لكن مؤسسة الضمير في رام الله استطاعت الحصول على قرض من موازنة السلطة الفلسطينية ودفعت الكفالة. وبعد خمسة ايام من إصدار هانييل الحكم، تم الإفراج عن المراهقين بعد أن ظلوا معتقلين لمدة 27 يوما.



ضغوط روتينية

وبعد إطلاق سراح المتهمين، أبلغ حسان صحيفة "هآرتس" أن المدعي العسكري بدا الروتين المعتاد للضغط عليه من أجل توقيع صفقة. وروى حسان كيف أن مندوبي الادعاء قالوا له :"نريد إنهاء هذه المسألة بسرعة. وسنطلب فقط غرامة وعقوبة معلّقة. ومن المخجل تضييع وقت المحكمة، ووقتك ايضا. ماذا تطلبون غير ذلك، المتهمون الثمانية أفرج عنهم، وأنتم تضيعون الوقت من دون طائل".

حسان رفض العرض، وقال إن موكليه يجب ان لا يسجل عليهم ملف جنائي طيلة حياتهم بسبب "جريمة" لم يرتكبوها.

وقد عقدت ما بين 15-18 جلسة في القضية داخل المحكمة العسكرية في عوفر. وتم استجواب الجنود حول إفاداتهم أمام الشرطة، وقدمت المزيد من الصور للمحكمة.

في اليوم الذي اعتقل فيه الطلاب، ادعى الجندي ج.د. – الذي خدم في سرية هاروف بلواء كفير لمدة 15 شهرا- للشرطة :"اليوم وخلال قيام الدورية باعمالها تلقينا بلاغا عن إلقاء حجارة في منطقة العروب. وصلت للمكان مع قوة تعزيز. حددنا على الفور مجموعة من قاذفي الحجارة كانوا على بعد 30 مترا. كان أفراد المجموعة يقذفون الحجارة في الطريق رقم 60. تقدمنا بسيارتنا لمطاردة قاذفي الحجارة بسرعة معتدلة، وعندما صرنا على بعد أمتار قليلة منهم، بدأوا بالهرب في اتجاه المدرسة. وفي لحظة ما خرجنا من السيارة العسكرية وبدأنا مطاردتهم على اقدامنا. تمكنا من القبض على عدد من قاذفي الحجارة، بينما استطاع آخرون الفرار داخل المدرسة".

وإلى جانب استجواب الشرطة، دخل الشرطي ساحة مركز عتسيون حيث أشار إلى ثلاثة من المحتجزين، بمن فيهم ناصر بدران جابر، "الذي كان يرتدي سترة سوداء، وبنطال جينز أزرق، وشعره بني فاتح". وقد سأل ضابط الشرطة الجندي إذا ما كان متأكدا من أن الأشخاص الذين أشار إليهم كانوا قد ألقوا حجارة حقا. اجاب ج.د. بأنه "متأكد جدا". ثم سأل الشرطي الجندي إذا كان قد أبقى "المشتبه بهم" تحت ناظريه منذ إلقائهم الحجارة حتى توقيفهم، فقال الجندي إنه قد فعل.

في الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2010، ترك ج.د. قاعدته في غور الأردن ليدلي بشهادته في محكمة عوفر. وسأله حسان: "هل صحيح أنك، بالإضافة إلى بقية أفراد القوة في الموقع، قد دخلت إلى الساحة؟"، فأجاب ج.د. :"لم أدخل إطلاقا، لقد بقيت مع المحتجزين"، حسن: "هل بقيت داخل السيارة العسكرية؟"، ج.د.: "نعم"، حسان: "إذا، من دخل إلى الساحة؟"، ج.د.: "لا أعلم شيئا عن الجنود الذين دخلوا"، حسان: "لقد قلت إنك قبضت على أحدهم في الطريق، وليس في ساحة المدرسة، هل يمكنك أن تخبرني، اي واحد هو من ضمن المتهمين؟"، ج.د. : "لا، لا أستطيع ان أتذكر". حسان:" انا أخبرك الآن أنك قدمت إفادة كاذبة، لأن كل المتهمين قد تم القبض عليهم داخل المدرسة، وليس على الطريق. ماذا يمكنك أن تقول بهذا الخصوص؟"، ج.د.: "أنا أشهد بما اتذكر، هذا ما حدث. أذكر أنه كان هناك ثلاثة معي في السيارة. وأذكر انهم تورطوا في إلقاء حجارة، ربما لم أشاهدهم وهم يلقون الحجارة، لكنهم كانوا ضمن المجوعة التي هربت".

س: حين وصلت إلى الطريق، رأيت أشخاصا يلقون الحجارة، كان ذلك وراء الطريق، صحيح؟



ج: نعم



س: هل مرت سيارات في ذلك الوقت؟



ج:أظن ذلك، لأنه الشارع الرئيسي.



س: لكنك لم تر أي سيارة تمر، أو المشتبه بهم يلقون أي حجارة عليها؟



ج: لم أر أي سيارة تضرب بحجر. لا أتذكر بالكامل ما إذا حدث أي إلقاء للحجارة في ذلك الوقت.



س: هل تلقيت بلاغا بأن أشخاصا كانوا يلقون الحجارة، ووصلت بعد فترة قصيرة من إلقائها. لكنك لم تر بنفسك أي حجر يرمى؟



ج:لقد رأيت الحجارة تلقى باتجاه الطريق، وفي اللحظة التي وصلت فيها هرب (ملقوا الحجارة).



س: إذا رأيت الحجارة ترمى، فهل رأيت أيضا أين هبطت؟



ج: هذا سؤال محدد جدا. لقد حدث هذا منذ وقت طويل.



وقال ناصر جابر وهو من الخليل لصحيفة "هآرتس" انه والمشتبه بهم الاخرين ظلوا محتجزين ليوم واحد قبل ان ينقلوا الى زنزانة في معسكر شرطة عتسيون وقال ايضا انهم تعرضوا للاهانة والضرب والركل خلال ذلك اليوم.

القدس - تل ابيب  - 9 - 8 - 2010