القدس العربي - اعلان وفاة ام الدنيبا


 
يقول العرب: البعرة تدل على البعير، ويقول أسامة سرايا رئيس تحرير 'الأهرام' المصرية إن تزوير صورة للرئيس مبارك تضعه في المقدمة على بساط البيت الأبيض قبل عباس ونتنياهو وعبد الله وأوباما مجرد 'صورة تعبيرية'.
 

'فعلة' الصحافي على صفحات جريدة كانت أم الصحف العربية قاطبة، تدل على أن 'الحاكم' مات مهدوما على كرسي الحكم المزمن. مات ولم تعد له قيمة، ولا به قوة، ولا عليه مهابة، ولا حوله 'بطانة سوء' تخبره أن أحد 'الشماشرجية' يعبث في 'صحون' الأهرام على الملأ.
 

تغير رئيس تحرير 'الأهرام' ورئيس مجلس الإدارة، وظلت الجريدة الحكومية بامتياز تقدم 'سوءاً' للقراء من أفخر الأنواع، ورغم كونه 'سوءاً' إلا أنه كان دالا على 'رئيس' ما زال يحكم، وتظهر آثار حكمه في مسلسل طويل تحكيه 'الأهرام' يوميا على صفحاتها: الرئيس افتتح، الرئيس يؤكد، الرئيس يخرج مظفرا من حمام القصر. كانت جميع أفعال 'مانشيت' الأهرام تدل على ديكتاتور حقيقي، لكنه على الأقل يعرف كيف 'يحكم' الموظفين بدرجة رئيس تحرير في صحيفة تعتبرها الدوائر الرسمية في مصر وخارجها تعبيرا عن السياسة المصرية.
 

في اليوم المشهود، خرج مبارك ومعه 'النجل' ليوقعا بعض أوراق الاستسلام في واشنطن، كانت رحلة تسويقية مبهرة، وكان الشعور السائد هو الاطمئنان لوفاة الشارع السياسي المصري، وهو يرى 'النجل' يتسلم الرئاسة فعليا بمباركة البيت الأبيض. كانت الرئاسة مطمئنة، والأسرة الحاكمة منتعشة، والأنصاف والمرتشون والأرزقية ينتظرون عودة 'النجل' بمفاتيح قاهرة المعز ومحمد علي وجمال عبد الناصر ليعطيها لهم على طبق من فضة. سارت الزيارة كما سارت، وحدث خلالها ذات 'طق الحنك' الذي يحدث، لكن الرسالة وصلت لكافة الأطراف، ها هو 'النجل' يتسلم بيديه وعلى حياة عين والده، وفي حراسة مشددة آخر ملفات مصر، بعدما اشترى الديون، وامتلك الحزب، وأرهب الإعلام، وخلق لنفسه 'شماشرجية' وطبالين على كيف كيفه.
 
 

وصلت 'الرسالة' للجميع، ويبدو أنها وصلت 'الأهرام' في وقت متأخر، ففي الوقت الذي كانت مراسم 'التتويج بالوراثة' تتم في البيت الأبيض، كان رئيس التحرير نائما مطمئنا أن 'حبة عينه' قد نجح في 'بكالوريا المنطقة'، وأنه 'تسلم' الملف الأبرز وربما الوحيد المتبقي للسياسة الخارجية المصرية. نام سرايا، ونامت تحت وطأة 'الدولة النعسانة' جريدة كانت ملء السمع والبصر كالأهرام.
 
بعد أيام قليلة من الزيارة، أفاق رئيس التحرير ليؤدي دوره في 'جوقة المنشدين' تفتق ذهنه عن حل عبقري يعيد لمصر ما أهدره الرئيس، وتسلمه الوريث، غير موقع مبارك في الصورة التي بثتها وكالات الأنباء ليجعل 'صفر الشمال' في مقدمة الباحثين عن 'حمامة السلام'. خرجت 'الأهرام' بهذا الشكل لتكشف عن كم الخراب الذي أصاب الدولة.
 

شنت الصحف والمحطات الفضائية العربية والأجنبية، وحتى المدونون الاسبان والعهده على الزميل عمر الهادي - حملة لم تبق على حبال سرايا غسيلا إلا وأكدت اتساخه، وهنا حان دور 'الوقور' الذي جلس على 'قمة' الأهرام، د. عبد المنعم سعيد، الرجل الذي استبشر البعض به خيرا في 'ترقيع' وجه النظام العجوز. كانت تصريحات سرايا المستفزة عن تزوير الصورة لخدمة رئيسه هي البداية، فرئيس التحرير اعتبر التزوير في صورة صحفية، 'تعبيرا عن مكانة وموقع مصر من القضية الفلسطينية'، وبالمقابل سخر مدونون وصحافيون ونشطاء من 'فهلوة' رئيس تحرير أضخم مطبوعات مصر، سخروا ونشروا وفضحوا و'خلوا اللي ما يشتري يتفرج'. وهنا خرج رئيس مجلس الإدارة ليدافع عن زميله في 'السبوبة'، خرج رجل من طور وقاره إلى رداءة الأفرول الوظيفي في دول ينهار كل شيء فيها حتى احترام البشر لأنفسهم، خرج د. عبد المنعم سعيد ليرتق 'فتق' سرايا قائلا 'الصورة المنشورة والتي أثارة الضجة، صورة تكوينية'، محاولا القفز فوق معايير مهنة لا يعرف عنها شيئا ـ وهو الباحث السياسي - ومغيرا قواعد لعبة 'القص واللصق' لتصبح خطايا رئيس التحرير 'عملا إبداعيا'.
'بعرة الأهرام 2010' ليست مهمة في ذاتها، وإنما هي الدلالة التي لا تنطق عن هوى طابور الأرزقية. بعرة 'الأهرام' تدل على 'موت الحكم'، وتحديدا موت الديناميكية، ووفاة 'الحد الأدنى' من الذكاء السياسي. 'بعرة الأهرام' الأخيرة دليل حي على موت شديد الوضوح أصاب البعير نفسه.
'الأهرام' التي كانت نسخها الأولى تخرج 'بنار الفرن' كما يقولون لمؤسسة الرئاسة، لتدقق وتغير وتعدل وتقلب الجريدة رأسا على عقب، أصبحت بكل أسف- تصدر للقراء دون 'معالجة'، دون 'فلترة' كالتي تجريها المحطات لمياه الصرف الصحي.

الموت الذي أصاب كل شبر في المحروسة، انتقل لمؤسساتها التي كانت توصف بالأضخم والأقوى والأكثر ذكاءً، موت بطيء له شواهد، فمن جريدة 'سايبة' يعبث بها الأنصاف، إلى رجال رهنوا وقارهم بالمنصب الوظيفي، وحتى رئيس دولة يتخطفه الطير كل لحظة، في حملات ميدانية تطالب بعزله لصالح 'النجل'، وأخرى تستبدله بشخصية الفنان 'سعيد صالح' في 'مدرسة المشاغبين'.

المشهد العام لواقعة 'الأهرام' يؤكد أن الدولة بمعناها السياسي قد ماتت وتعفنت وخرجت رائحتها من الغرف المغلقة لصفحات الجرائد الحكومية، كنا قبل قليل نتحدث عن 'الدولة العجوز' و'الدولة الرخوة' أما الآن فنسألكم قراءة الفاتحة على مصر التي كانت، ومصر التي ارتبكت، ومصر التي مات بعيرها محنيا على كرسيه.
القدس العربي - احمد محجوب