القدس العربي - ليفي يهاجم اسرائيل

قال المعلق والكاتب الصحافي الاسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة 'هآرتس' ان كفاحه الاكبر كان دائما من اجل العمل على 'اضفاء صبغة الانسانية على الفلسطينيين' مضيفا ان هناك 'آلة كاملة في اسرائيل لغسل الدماغ' والتي 'ترافقنا ـ اي كاسرائيليين - منذ الطفولة وانا منتج من منتجات تلك الالة كما اي اخر'.
وقال ليفي الذي يزور بريطانيا في رحلة ترويج نظمتها له دار نشر 'فرسو' لكتابه الجديد 'عقاب غزة' ان الاطفال في اسرائيل يدرسون منذ الصغر مجموعة من الحكايات التي من الصعب التخلص منها وهذه الروايات تتلخص 'بأننا نحن الاسرائيليين فقط ضحايا العالم وان الفلسطينيين يولدون للقتل وان حقدهم ضدنا اعمى وان الفلسطينيين ليسوا بشرا مثلنا'. والنتيجة كما يقول ليفي تكون مجتمعا بدون 'شكوك اخلاقية، او اسئلة او حتى نقاش اخلاقي' مما يجعل من الصعوبة بمكان لاي شخص الاعتراض على اليقينيات الاخلاقية هذه.
وكان ليفي بهذه العبارات يلخص ازمته الشخصية وكونه الشخص الاكثر 'كرها' في اسرائيل مما جعل معد المقابلة معه جون يوهاري في صحيفة 'اندبندنت' للقول هل ما يقوم به ليفي المولود في تل ابيب من اصول شرق اوروبية الشخص الاكثر كرها في اسرائيل ام ان ما يقوم به مجرد فعل بطولي.
ويكتب عن الصعوبات التي تعرض لها اثناء عمله الصحافي، وكيف ان الجيش الاسرائيلي قام باطلاق النار عليه وهدده اكثر من مرة بتعليقه على عمود كهرباء، فيما طالب وزراء في الحكومات الاسرائيلية بمراقبته وما يكتب باعتباره خطرا على الامن القومي لسبب واحد لانه يقوم ومنذ 3 عقود بالسفر الى الاراضي الفلسطينية كل اسبوع ويكتب ما يشاهده في مقاله الاسبوعي.
ويقول عن مهمته البسيطة والمتواضعة انه كان يحاول منع حصول وضع يدعي فيه الكثير من الاسرائيليين انهم لم يكونوا يعرفون عن الوضع، ولانه كان يريد الكشف عن ما يحدث في المناطق المحتلة فقد طالب عدد كبير منهم باسكاته.
ويكشف المقال عن المقالات والتقارير التي كتبها ليفي خلال الاعوام الماضية والتي تحدث فيها عن مئات عمليات القتل خاصة قتل الاطفال، وفظائع الجيش في غزة من مثل قتله للمدرسة نجوى خليف، ويصف حالة الاطفال الذين كانوا يرتعشون من الخوف انهم دهشوا عندما شاهدوا يهوديا يدخل الى روضتهم بدون سلاح. لان كل ما شاهدوه 'الجنود والمستوطنين'.
ويصف الكاتب مقالات ليفي في 'هآرتس' عن حياة الفلسطينيين العاديين بانها تشبه عوالم تشيخوفية (الكاتب الروسي) وتحمل عناوين مثل 'العشاء الاخير لعائلة وهبة' من خان يونس. ويواصل قائلا ان ليفي عبر تفاصيل صغيرة عن حياة الفلسطينيين يقوم باعادة انسانيتهم واكتشافها. ويستخدم ليفي اسلوبا سهلا لتذكير الاسرائيليين بانسانية الفلسطينيين حيث يقول لهم ماذا تشعرون لو ان قوى متفوقة قامت بهذا علينا في اشارة الى تدمير مخيم جنين. ويطرح ليفي اسئلة تستفز الجنود والاسرائيليين العاديين ويدعوهم للتخيل ان من في سيارة الاسعاف ربما كانوا ابناءهم او اباءهم او جداتهم.
جهلة لا يهمهم ما حولهم
لكن ليفي يعبر عن دهشته من جهل الاسرائيليين لما يحدث في منطقة لا تبعد عنهم سوى ربع ساعة بالسيارة. مما يؤكد ان عملية غسيل الدماغ على الاسرائيليين فاعلة بشكل كبير. ويقدم مثالا على قسوة الاسرائيليين وجهلهم ما حدث اثناء عملية الرصاص المسكوب وكيف قتلت صواريخ القسام كلبا للجيش حيث احتلت صورته الصفحات الاولى من الصحف مع انه في نفس اليوم قتل 10 فلسطينيين وجاء خبر مقتلهم في صفحة 16 وبسطرين فقط. ويقدم ليفي في حديثه صورة تراجيدية ولكنها ساخرة من الاحتلال وغرابته خاصة عندما يقوم بطرد ممثل او مهرج اسباني عام 2009 كان يريد المشاركة في مهرجان في رام الله ويعلق ليفي هل كان المهرج هذا يحمل معه ترسانة من الضحكات يريد نقلها الى الجهاديين. ويتحدث عن اطلاق النار عليه من قبل الجيش الاسرائيلي عام 2003 عندما كان في طريقه للضفة وكيف ان الخبر وصل للاسرائيليين لانهم اطلقوا النار على اسرائيليا ولكنهم لا يعرفون ان هذا الفعل يومي وروتيني ضد الفلسطينيين.
والد لاجئ وبيت اقيم على اراضي مشردين
وعن كيفية تحوله للتعاطف مع الفلسطينيين يقول انه مثل كل الاسرائيليين ولد وتعلم الرواية الاسرائيلية التي لم يتجرأ على طرح اسئلة عنها وانه احسن من الفلسطينيين لكن الوضع تغير بعد حرب عام 1967 حيث اخذه والده المفتخر بعودة الاراضي والقدس اليهم وزيارتهم للخليل وكيف انهم لم يشاهدوا فلسطينيين في تلك الزيارة لكن بعد ذلك في السبعينات اخذ يشاهد جنودا ومستوطنين يقتلعون اشجار زيتون ويعاملون الفلسطينيين بقسوة.
في البداية قال ان هذه افعال فردية ولا تعبر عن سياسة الحكومة. ويحكي ليفي عن والده الذي يقول انه كان يحمل شهادة دكتوراة في القانون وعمل في مخبز وان والده كان يحمل غضبا في داخله على الكثير من التصرفات، فلم يكن يفهم كيف يمكن للناس ان يهاتفوا بعضهم في الثانية صباحا.
ويقول انه على الرغم من حياته الطويلة في اسرائيل لم يكن يعتبر نفسه جزءا منها بل ظل غريبا. وعلى الرغم من ان والده لم يعد الى بلده ولم يكن يحبذ الحديث عنه ولا عن قريته الا انه لم يقم بعقد موازنة بين كونه صار لاجئا بسبب حرب وما ادى للجوء اكثر من 800 الف فلسطيني بسبب انشاء اسرائيل. ويعتقد ليفي ان والده وبقية الاسرائيليين لم يفكروا بهذه الطريقة الا انه بدأ يشاهد الكثير من ملامح حياة والده المدمرة في المناطق المحتلة ـ في حياة اللاجئين المحطمة لرجال ونساء لا يحلمون يوما بالعودة والاستقرار في قراهم.
فمن خلال مأساة اللاجئين في الضفة وغزة بدأ ليفي يكتشف قصته التي قامت على مأساتهم، عندما كان يعيش في بيت مؤنس، وغيرها من 416 قرية فلسطينية اقيمت على انقاضها مستوطنات الاسرائيليين.
فمن قصص اللاجئين بدأ يكتشف ان حياته الجديدة قامت على مأساتهم حيث قالوا له ان المسبح الذي يسبح فيه كان حوض ري وان منزله اقيم على بستان للعنب كان لهم. فالارض التي يعيش عليها اخذت بقوة وسكان القرية 2230 نسمة سيجوا من كل جانب وهددوا بالقتل، وهربوا ولم يعودوا ويقول 'في مكان ما في مخيم لجوء بين الفقر والبؤس ربما هناك من يعيش فيها وكان يحرث الارض التي يقف عليها بيتي'. ويضيف انه من الخطأ والسذاجة مقارنة مأساة الفلسطينيين مع الهولوكوست ولكن لاجئ الشيخ مؤنس هو مثل والده تعرض للالم والحزن. واكثر من ذلك فصاحب البستان 'لو انتهى به الامر الى المناطق المحتلة فهو وابناؤه واحفاده يعيشون تحت الحصار او يعانون من الاحتلال الشرس'.
ويرفض ليفي مقارنة اسحق دويشته اليهودي الذي فر من الهولوكوست ليقع على رأس فلسطيني ويهشمه، والسؤال هو من يلام اليهودي ام الهولوكست، ويعتقد ان الناجي من الهولوكوست وبعد ان هشم رأس الفلسطيني لا يزال وبعد ستين عاما يهشم الفلسطيني ويضرب ابناءه. ويقول ان اسرائيل تقوم بعمل ما عملته المانيا اي انها تعمل على تجريد الفلسطيني من بشريته في اي مكان وتطهره في اي فرصة تسنح لها 'حرب 1948 لم تنته ولن تنتهي'.
اسطورة الديمقراطية
ويواجه ليفي ما يراه الاساطير حول المنطقة منها اسطورة ديمقراطية اسرائيل حيث يقول 'اليوم هناك ثلاثة انواع من الاسرائيليين يعيشون تحت حكم اسرائيل: اليهود الاسرائيليون الذين يتمتعون بديمقراطية كاملة وحقوق كاملة، العرب الاسرائيليون ممن يحملون الجنسية الاسرائيلية ويتعرضون لتمييز فاضح، وهناك الفلسطينيون في المناطق المحتلة والذين يعيشون بدون حريات مدنية ولا يتمتعون بحقوق انسان' ويتساءل 'هل هذه ديمقراطية؟'. ويضيف 'كيف تتحدث عن الديمقراطية ولم تقم الدولة خلال الستين عاما الماضية بانشاء ولو قرية عربية، ولا احتاج كي اعدد لك كم من المدن والبلدات اليهودية التي اقيمت'. و'كيف تتحدث عن الديمقراطية والباحثون كشفوا عن عقوبات مختلفة لليهودي والعربي لنفس الجريمة، وكيف تصفها بالديمقراطية عندما لا يجد الطالب الفلسطيني من يؤجره غرفة في تل ابيب لانهم عندما يسمعون لهجته واسمه يرفضون السماح له باستئجار غرفة. وكيف تسميها ديمقراطية عندما يحصل التلميذ في القدس الشرقية على 577 شيكلاً في العالم استثمارا في تعليمه مقابل 2372 شيكلا في القدس الغربية'. ويضيف قائلا 'كل ملمح من ملامح مجتمعنا يتسم بالعنصرية'.
عطر على جثة متعفنة
ومن الاساطير التي آمن بها مرة، في وقت محادثات اوسلو ان غزة خرجت ابدا من السياق الاسرائيلي وقد تحقق السلام، ويقول انه كان ساذجا عندما لوح في زيارة له لغزة مودعا، ومن هنا يرى ان العملية السلمية التي تقودها امريكا اليوم هي اسطورة، ونهايتها الفشل، فهو يرى ان نجاح اي عملية سلمية مرتبط بوقف الاستيطان، وفك المستوطنات 'فاذا كنت ستوقف الاستيطان قريبا لماذا تصر على البناء' يتساءل. ويشير الى حالة العملية الان انها مرتبطة اليوم بقرار من نتنياهو 'تجميد' البناء لا تفكيك ولا وقف. ويقول ان نتنياهو مثل وزراء اليسار ايهود اولمرت وتسيبي ليفني يعارض السلام بل تفاخر مرة انه 'دمر محادثات عام 1997'، وضبط وهو يتفاخر على شريط مسجل ويقول انه 'اذا تفاخر بتدمير اوسلو، فما الذي يدعوه للعمل على نجاحها؟ ويضيف 'كيف تتوصل لسلام مع نصف الفلسطينيين وماذا عن حماس في غزة؟'. بل ويرى ان هذه المحادثات المزورة اخطر من لا محادثات لانها تظل مظلة لاستمرار الاستيطان. ولا يخفي ليفي ان وراء العملية هذه محاولة لارضاء امريكا لضرب ايران ولا يمانع نتنياهو من تقديم كلام فقط لامريكا لتحقيق هذا. ويؤكد ان اسرائيل لا نية لها للخروج من الاراضي المحتلة او منح الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم فلا تغيير ومن هنا 'تحتاج اسرائيل لبرنامج علاج صحي' من الادمان.
لا نهاية للاحتلال
ويقرأ ليفي تناقضا بين رغبة الاسرائيليين لحل دولتين وانتخابهم حكومة يمين متطرف، ويقول ان حل الدولتين لا يقع من السماء، فالاسرائيليون لا سبب لديهم يدفعهم لتغيير الوقائع على الارض. فالحياة في تل ابيب 'رائعة' وكل شيء تماما ولا شيء يجعلهم يفكرون في الاحتلال، 'الاسرائيليون يتحدثون عن السياحة القادمة، سيارة جيب جديدة وما تبقى لا يهمهم' دعهم يموتون في عتمة النسيان.
ويقول ان مجتمع اسرائيل بدون جماعات احتجاج، لا يسار يتظاهر في ساحات المدن، الكل يبحث عن مصالحه، فقط هم المستوطنون من يتظاهرون.
وامام وضع كهذا، كيف يحدث التغيير، ويقول انه متشائم والحل القادم هو مجتمع قائم على فكرة التمييز العنصري. ويقول انه طالما لم تدفع اسرائيل ثمن افعالها فلن ينتهي الاحتلال. وفي اللحظة التي يشعر فيها الاسرائيليون بثقل الثمن فعندها ينتهي الاحتلال، وهذا لن يحدث بناء على مبادرة منهم. ويشير هنا الى سنوات الرعب ما بين عام 2002 ـ 2003 والتفجيرات وكيف فشل الاسرائيليون بفهم الربط بين العمليات الانتحارية والاحتلال. فقد اعتقدوا ان الارهاب الفلسطيني هو دليل على ان الفلسطيني هو ارهابي بالفطرة.
ومن هنا فالاحتلال سينتهي عندما تقرر امريكا الضغط على اسرائيل ولكن بطريقة لينة، لان اسرائيل تعتمد اليوم على امريكا اكثر من اي وقت مضى: اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. ولكنه يلوم اليهود الامريكيين المتطرفين الذين يقول انهم يكتبون اليه اكثر الرسائل شراسة ويصفونه بهتلر، ويتهمهم ليفي بالنفاق لانهم يزعمون معارضة ايران لكنهم يعارضون ما يجرد النظام الايراني من اسلحته الدعائية وهما السلام مع الفلسطينيين والسلام مع سورية. ويرفض ليفي والحالة هذه التخلي عن اسرائيل لاناس يلوحون باعلام اسرائيلية مصنوعة في الصين ويحلمون بتطهير الكنيست من النواب العرب ويؤكد انه لن يقاطع اسرائيل ولن يتركها.
ولا يستبعد والحالة هذه تعرضه او استمرار تعرضه للقيود والهجوم خاصة في ظل استمرار الجو اليميني مشيرا الى ان حريته قيدت خاصة عندما منع من الذهاب لغزة.
ولن يصاب بالدهشة حالة لو تم تجريم الاحزاب العربية في الانتخابات القادمة، وهناك ما يدعم الحكومة لمواصلة سياساتها وعقاب من يقومون بتعرية ممارسات الحكومة. ولا يستبعد كذلك قيام قاتلين مأجورين باستهدافه. لكن هل سيمنع هذا جدعون ليفي من مواصلة توثيق جرائم البلد ومواصلة دعوة سكانه بالعودة للصراط المستقيم.
القدس العربي