القذافي والفن.. خطب كثيرة والدعم حسب المزاج

شام نيوز - تيسير أحمد
كان الزعيم الليبي معمر القذافي معجباً بالدراما التلفزيونية السورية، ولم يكن يتوانى عن اغتنام أي فرصة للقاء الفنانين السوريين الذين كان يشبعهم محاضرات عن الفن الملتزم وضرورة تحرير فلسطين، أما موضوع الدعم فكان قليلاً ما تقنعه فكرة معينة، اللهم إلا تلك الأفكار التي تتعلق بتاريخ ليبيا. فعند هذا الموضوع تجده سخياً لا يعدل سخاؤه كرم حاتم الطائي.
ولعل أطرف قصة من قصص القذافي مع الفنانين السوريين، هي إعجابه بمسلسل "غضب الصحراء" لهيثم حقي وبطولة عبد الرحمن آل رشي، فقد حرص الزعيم الليبي على دعوة فريق العمل إلى ليبيا للقائه، وفعلاً ارسلت الدعوة لمجموعة كبيرة من الفنانين العرب وكان ذلك مطلع تسعينيات القرن العشرين.
وعندما هبطت الطائرة في مطار طرابلس وجد الفنانون أنفسهم في حافلات لنقلهم إلى خيمة الزعيم، وكانت تبعد عن طرابلس حولي 18 ساعة من السير في الحافلات.
وصل الفنانون مرهقين بعد حوالي 24 ساعة من الطيران والسفر، ولم يكونوا على علم بالبرنامج أو هدف اللقاء، وهو ما دفع الفنان عبد الرحمن آل رشي لأن يمتنع على الذهاب للقاء القذافي مطالباً إياه بأن يعتذر له قبل أن يتحرك من مكانه.. وبعد محاولات وترضيات ذهب الفنان آل رشي مع الفنانين الآخرين فوجدوا القذافي ينتظرهم وهو جالس في صدر الخيمة شبه غاضب. وفجأة وجه كلامه للفنان عبد الرحمن آل رشي قائلاً له: تريدني أعتذر منك يا أزرق (وهو اسمه في مسلسل غضب الصحراء).. وقبل أن يجيب الفنان آل رشي تابع الزعيم الليبي محاضرته عن ضرورة تحرير فلسطين وضرورة أن يضحي الفنانين في سبيل القضية، ومع ذلك قال للفنان عبد الرحمن آل رشي يا أزرق نحن نحبك. وهكذا انتهى اللقاء دون أن يعرف الفنانون سبب حضورهم إلى خيمة القذافي النائية فلا هو تحدث عن المسلسل ولا عرض عليهم إنتاج عمل ما، ولا قدم لهم أي هدية ولو تذكارية، كل ما في الأمر أنه حدثهم عن واجبهم في تحرير فلسطين.
الفنان عبد الرحمن آل رشي
هذه القصة تشبه قصصاً أخرى مع فنانين سوريين التقوا الزعيم القذافي بطلب منه شخصياً، واستمعوا لمحاضراته الوطنية أو لم يستمعوا فقد كان في أحد هذه اللقاءات صامتاً صمتاً مطبقاً كما يروي فنان سوري شهير، فبعد أن استمر اللقاء حوالي النصف ساعة قال القذافي عبارة واحدة أعلنت نهاية اللقاء وهي "الفنانون السوريون مثقفون".
حرب السنوات الأربع
وهذا لا يعني أن الكثير من المنتجين العرب ومنهم السوريين قد نجحوا في الحصول على مبالغ طائلة من القذافي لانتاج أعمال تلفزيونية أو سينمائية.. فهذا المنتج داوود شيخاني قد حصل على تمويل لعمل تاريخي بعنوان "حرب السنوات الأربع" يتحدث عن حرب بين الأميركيين والليبيين في القرن التاسع عشر، ومع ان الولايات المتحدة الأميركية لم تكن دولة استعمارية في ذلك الزمن إلا أن الكاتب والمنتج نجحا في تدبيج سيناريو اعتماداً على قصة معروفة مطلع القرن التاسع عشر امتنعت فيها الولايات المتحدة من دفع ضرائب المرور لدول شمال إفريقيا الجزائر وتونس وطرابلس الغرب وبعد مناوشات وأخذ ورد دفعت أمريكا ما يتوجب عليها من ضرائب، فكان أن حصل شيخاني على مبالغ مالية أسست لشركة الانتاج التي أنشأها فيما بعد.
وكانت وكالات الأنباء قد نقلت لنا عام 2007 أخبار الاستعدادات الفنية من قبل المخرج السوري نجدة انزور لاخراج فيلم "الظلم: سنوات العذاب" المأخوذ عن قصة للزعيم الليبي معمر القذافي، الذي يتحدث عن مرحلة الاستعمار الايطالي لليبيا. وأوضح أنزور يومها أن القذافي كتب قصة الفيلم الذي سيكلف 50 مليون دولار كمشروع سيناريو وليس في شكل أدبي. ويضيف انه قدم ثلاث محاولات سابقة لكتابة السيناريو، كان القذافي يطلع عليها باستمرار الى ان وافق على السيناريو الاخير الذي كتبته ايمان السعيد وعالجه دراميا الكاتب علي فهمي الخشيم، وديفيد كرين وحسن م يوسف.
ولكن يبدو أن القذافي قد صرف النظر عن الكمشروع بسبب التقارب مع إيطاليا والغرب خشية إثارة الحساسيات.
أنطوني كوين ومصطفى العقاد وفخ "عمر المختار"
وفي مذكرات أنتوني كوين رواية مختلفة لقصة فيلم عمر المختار من إخراج المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، يتحدث فيها عن فخ نصبه المخرج السوري المقيم في الولايات المتحدة لانتاج هذا الفيلم.
يقول كوين إن الأدوار بدأت تنقطع عندما بلغ سن الستين واعتقد أن زمنه انقضى كما حدث لغيره من الفنانين ، وكانت سنوات السبعينيات شديدة الصعوبة عليه فقد ازداد وزنه وبدأت التجاعيد تملأ وجهه ولم يكن قادراً على انتزاع دور جيد في فيلم مهم ولا حتى على لقاء امرأة تنظر في وجهه . وإزاء هذه السن المتقدمة وحالة اليأس التي كان يشعر بها ، يقول " لقد احتجت لإيمان 750 مليون مسلم لكي أسترد إيماني بنفسي ، فقد أعادتني منطقة الشرق الأوسط إلى أدواري السينمائية الضخمة ودعت موقفي المالي المتدهور ، وأنا مدين بذلك لمخرج عربي مهووس هو مصطفى العقاد ، فقد دعاني إلى لبنان لألعب بطولة فيلم " محمد رسول الله " ، ولتبدأ علاقة عمل مثمرة ومربحة، كانت القصة نفسها تتناول حياة نبي الإسلام مع لمسات ملحمية على غرار تلك التي كان يلجأ إليها المخرج سيسيل دي ميل ، وعرض الفيلم في الولايات المتحدة والغرب باسم " الرسالة " وأدى عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم إلى أني أصبحت نجماً في العالم العربي .
وقد حقق مصطفى العقاد أرباحاً هائلة من وراء هذا الفيلم لدرجة أننا اتفقنا على التعاون معاً في فيلم آخر .. وفي ذلك الحين كان العقاد يحظى بدعم الرئيس الليبي ، وقد علمت أن القذافي مبهور بشخصية عمر المختار الزعيم الليبي الذي نجح في وقف تقدم موسوليني داخل ليبيا ، وكانت شخصية هذا الزعيم ذات أبعاد تاريخية رائعة فهو مدرس عجوز يقود شعبه ضد الاحتلال، بالنسبة لي خاصة أنه كان في مثل سني تقريباً ومن أجل إقناع القذافي بتمويل الفيلم تم تصويري بملابس وماكياج عمر المختار ، وأخذ الصور وذهب إلى القذافي ومعه مجموعة من الكتب والخرائط ووضع صوري وسطها ، وعرض العقاد على الرئيس القذافي عدة أفكار و" بالصدفة المرتبة " أسقط مجموعة الكتب لتتناثر صوري وأنا في هيئة عمر المختار على الأرض ، وسأل القذافي ما هذا ورد العقاد : لا شئ إنها مجرد صور لأحد زعماء ليبيا منذ وقت طويل . ونظر القذافي إلى الصور وقال: نعم إنه عمر المختار أحد أبطال الشعب الليبي، ولكن من أين حصلت على هذه الصور؟ إن لدي مجموعة لصور عمر المختار من جميع أنحاء العالم وليس بينها هذه الصور . وقال العقاد إنه حصل عليها من إنجلترا وإنه يفكر في عمل فيلم .. وقاطعه الرئيس القذافي في لهفة قائلاً هل تخطط لعمل فيلم عن عمر المختار . ورد العقاد بأن المسألة مجرد فكرة ، ولكن القذافي قال سوف أدعم هذا الفيلم .. فقط اكتب قائمة بما تحتاجه . وهكذا بدأ إنتاج فيلم عمر المختار .