الكومبارس مازالوا يأكلون " الفلافل " والنجوم يتقاضون الملايين

كان يا ما كان في قديم الزمان كان يوجد في أحد أحياء دمشق مقهى متواضع يقصده المواطنون السوريون و مختلف الفنانين من ممثلين و مخرجين و مسرحيين و كتاب و شعراء ... لكن فجأة صار المقهى يعلن عن ارتفاع أسعاره الجنونية التي حيّرت الكثير من المواطنين ، فبدؤوا بالسؤال و البحث عن سبب هذه الفورة " التي دفعوا ضريبتها بشكل أو بآخر " إلى أن علموا أن الفنان السوري الذي يتناول فنجانا من الشاي في هذا المقهى صار يتقاضى 10 أو 15 مليون على دوره في مسلسل واحد و بالتالي صار قادرا أن يدفع ثلاثة أو أربعة أضعاف ثمناً لهذا الفنجان ...!!
فلم يعد الفنان السوري هو ذلك نفسه الدرويش المتواضع الذي نجد في أحياء دمشق و حاراتها يمارس حياته مثله مثل أي مواطن آخر ، و إنما تشكلت حوله هالة من العظمة تشبه الهالة التي يتمتع فيها فناني هوليوود لاسيما عندما يرافقه مجموعة من " البدي غارد " لحمايته أو عندما نعلم أنه انتقل من جرمانا مثلا إلى مشروع دمر أو عندما نلاحظ أنه يغير سيارته كل عام و أنه يتقاضى ملايين الليرات .. فمثلا الفنانة سلمى المصري لم تعد هي نفسها التي كانت تتقاضى 100 ليرة سورية على دورها و كذلك لم يعد ذلك النجم السوري هو نفسه الذي كان يمثل كومبارس صامت في معظم أفلام زياد مولوي ، و ربما قد نسي أحد كبار الفنانين السوريين أنه كان يبيع على أحد البسطات في " الحميدية " وهو اليوم يملك شركة إنتاج مثلا ..!! وقد ذكر الفنان رفيق سبيعي في أحد المرات أن الممثل السوري كان فعلا " يتمتع بالبساطة " لعدم وجود دراما حقيقية ، فقد كانوا يضعون " وعاءاً كبيراً " على رأس أحد الممثلين لكي يضع فيه المشاهدون ثمنا لحضور عرضهم المسرحي و قد يقوم معظم الأشخاص برمي " تين مجفف " أو " جوز " بدلا من " المال " .
أما اليوم إذا عدنا في لمحة سريعة عن المبالغ التي يتقاضاها الممثل السوري ، سنجد أنها ارتفعت لحدود الخيال فمثلا الفنان جمال سليمان قد يتقاضى مليون دولار عن بطولة في مسلسل مصري ،و الفنان سامر المصري نال أجراً خياليا عن دوره في مسلسل الدبور ، بالإضافة إلى أن الفنانة أمل عرفة و الفنانة سلافة معمار قد يأخذان 5 مليون ل.س ، في حين وصل أجر المخرج حاتم علي إلى 25 مليون ليرة سورية .
وحول تلك الفورة في ارتفاع أجور الفنانين السوريين التي امتنع معظمهم التحدث عن تلك الأرقام خوفا من مطالبة بقية الممثلين بمثلها ، يقول وائل شيخ البساتنة مدير إنتاج شركة سورية الدولية للإنتاج :
" على الرغم من أن سعر الساعة التلفزيونية تراجع إلى الوراء في بعض المحطات إلا أن ارتفاع أجور الفنانين ازدادت إلى حد يفوق الخيال بسبب المبالغ التي حصلوا عليها في مصر و مطالبتهم بمثلها في سوريا دون إدراك حجم الشركة و نظام الشركات في البلد الذي يمثلون فيه ، و هذا بالتالي دفعنا إلى أن نعتمد على نجم واحد أو اثنين في العمل الواحد بدلا من قيام العديد من النجوم بذلك العمل ، و أن نضطر إلى دعوة ممثلين من الدرجة الثانية أو الثالثة للقيام بالأدوار الأخرى .." و أضاف : " علينا ان نعالج الموضوع وفقا لمسألة النسبة و التناسب لكي نرفع العمل الدرامي لكننا في الوقت ذاته لا نتنازل عن سوية العمل من حيث الديكور و الملابس ويحصل الفنيون و الكومبارس و المصورون على أجورهم كاملة دون أن ننتقص منها أي شيء لأن كل هذا ينعكس على بنية العمل الذي يظهر على الشاشة ..." و تابع أيضا : البيع و العرض مرتبط بمستوى العمل و نوعه فمثلا المسلسل التاريخي سعره أكثر من المسلسل الاجتماعي ، لكن المشكلة تكمن في أن مسلسل مهم مثل بقعة ضوء يرصد له إنتاجية عالية لأن طبيعة المسلسل تطلب العديد من الممثلين و النجوم و التصوير في أماكن مختلفة ، في حين يباع بسعر قليل لأن الكوميدي يصنف كدرجة ثانية أو ثالثة ، فللأسف لايوجد لدينا معايير لضبط الأسعار ، فالضوابط المالية عشوائية ومحددة وفقا للمثل نفسه لأن الإنتاج عندنا إنتاج فردي و ليس جماعي ، و بالنهاية كل شركة إنتاج هي شركة تجارية و ربحية و يهمها الربح و إذا وجد المنتج نفسه معرضا للخسارة بسبب ارتفاع سعر النجوم فمن الممكن أن يتراجع إلى الوراء لينهي ما بدأه ... "
في حين قال الفنان و المنتج فراس ابراهيم : " عندما كانوا يضعون 500 ألف دولار كميزانية لمسلسل ما كانت بالفعل تربح 500 ألف دولار أما اليوم قد ندفع للعمل الواحد مليون و 200 ألف دولار و لا تربح إلا 500 ألف دولار و هذا بالتالي يؤدي إلى خسارة ، لأن الأسعار لم تزداد لكي يزداد سعر الممثل السوري و بالتالي ستقتطع أجرته من أجرة العمل ككل "
و أضاف : " إن العمل السوري مازال يباع باسم النجوم و المخرج و الكاتب باعتبار أن الأعمال السورية لا تعتمد على بطولة النجم الواحد التي درجت عليها مصر ، لكن الاختلاف يكمن في نظرة الممثل السوري التي دخلت عالم المقارنات بين سيارة هذا و سيارة ذاك ، و تابع : " كانت معظم أجور الفنانين السوريين تشكل 30% من الموازنة العامة الموضوعة للمسلسل ، و صارت اليوم تشكل بمجموعها نحو 50 أو 60 % من الموازنة ، في حين كانت هذه النسبة سابقا تذهب إلى خدمة العمل و الديكور و الملابس و الإطعام فقد كان هناك رفاهية في الإنتاج لأن الممثل السوري كان يتعامل ببساطة مع نفسه ، أما اليوم فالممثل السوري الذي يصنف من أصحاب الدرجة الثانية أو الثالثة صار يضطر لأن يتناول " سندويشة فلافل " أثناء التصوير و صار المنتج مضطر أن يختار 3 فساتين بدلا من 5 فساتين وأن يقلل من حجم و عدد الإكسسوارات الموضوعة للعمل ، فالدخول في فخ النجوم سيؤثر في النهاية على سوية العمل و قد يؤدي إلى تراجع الدراما السورية إلى الوراء لعدم استعدادها لتلك المبالغ العالية بالإضافة إلى أن عين الممثل السوري لم تعد ذات العين ، و لم يعد هو نفسه يمثل بذات الروح و ذات الحماس ، خاصة عندما يعلم ان المحطة التلفزيونية طلبته شخصيا للقيام بدور معين ، حينها سيطلب المزيد و المزيد من المال لأنه يعرف أن الشركة المنتجة لن تستغني عنه بسبب المحطة التلفزيونية التي طلبته "
لكن ... و على صعيد آخر يعتبر العديد من نجوم الدراما السورية أن هذه الأجور هي من حق الفنان السوري الذي وصل إلى العالمية ، بل ربما قد تكون ليست بالقيمة المناسبة لاسمه و لشهرته ، وحول ذلك تقول الفنانة كندا علوش : " أعتبر أنه يوجد انخفاض شديد في أجور الفنانين السوريين ، ومشكلة الإنتاج هي مشكلة المنتجين و ليست مشكلتنا ولا يجب على الفنان أن يدفع ثمنه .." و تابعت : " الفنان السوري وصل إلى شهرة عالمية حيث صار يُطلب في العديد من البلدان العربية و الأجنبية التي عرفت قيمته أكثر من بلده الأم ..، لذا أرى أن أجور ممثلي الصف الأول و الثاني و حتى الثالث جدا منخفضة ، ومشكلة المنتج تكمن قي أنه لا يجد منفذ لتسويق أعماله و أن " أرقابنا " مرتبطة بيد صاحب القناة الخليجية ، وعادت لتؤكد أنه لا يوجد محطات سورية تشتري الأعمال الدرامية على عكس مصر التي تمتلك العشرات من المحطات التلفزيونية و التي تمتلك بنية تدعم إنتاجها الدرامي .. "
شام نيوز - رامان آل رشي