الليبي الحزين

 
«لقد انتصرتم في ثورتكم، ونحن نتذكر اليوم (..)، كل الأميركيين الذين ساهموا منذ قرابة ثمانية أشهر في حماية المدنيين الليبيين، ونتذكر دبلوماسيينا الذين ساعدوا في قيادة استجابة عالمية غير مسبوقة، وطيارينا الشجعان الذين قاموا بالطيران في السماء الليبية، وقواتنا البحرية التي قدمت الدعم للسواحل الليبية، وكذلك قيادتنا في الناتو التي قادت التحالف، فنحن من دون وضع أي جندي على الأرض استطعنا أن نحقق هدفنا» هذه كلمات الرئيس الأميركي باراك –حسين- أوباما متوجهاً لليبيين مع إعلان مقتل العقيد معمر القذافي.

وفيها الكثير من الصدق، والكذب أيضاً وخصوصاً حين قال إن أي «جندي» لم يطأ أرض ليبيا، إذ لم يعد سراً أن عناصر استخباراتية –ولاسيما من فرنسا وبريطانيا- ساعدت قوات المجلس الانتقالي في معركتها «الأهلية».

 


ومع تزامن الإعلان العالمي عن «موت الشيطان» حرص الإعلام على تصويره بالطريقة التي يجب أن يبدو فيها أي «شيطان دولي»، فالرجل «أسر» في مجرور (تذكيراً بكلامه عن الجرذان) ولم يقاتل وطلب الرحمة، وذلك بالطريقة نفسها التي احتمى فيها زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن بالنساء من نيران الكوماندوس الأميركي، واعتقل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حفرة.

 


هي دعاية سياسية لا بد منها، على ما يبدو، وثمة راغب فيها، ولاسيما ممولي «الربيع العربي»، وخصوصاً العرب من بينهم الذين يعيشون شتاء بلا ضوء قمر أو مطر، ولا ربيع واعد. ذلك أن الرواية الحقيقية التي يرويها الإعلام بخجل تؤكد أن موكب الرجل قصف من قبل الناتو، فأصيب القذافي، وسواء كانت الرجولة تتطلب إطلاق ما بقي من رصاص (على العدو أو باتجاه النفس) أم لا، فإن ما لقيه من معاملة لاحقاً، يعكس أزمة العرب، والتي ستصاحبهم طويلاً.

 


فعندما كنا نزور ليبيا، كنا مع أصدقائنا النبلاء من الليبيين نتفادى الإحراج، الذي يشكله وجود القذافي كزعيم لدولة من أغنى دول العالم، وكنا نتجاهل خوفاً من جرح كبريائهم التطرق لمزاج الرجل المهووس أو لتصرفاته المجنونة، فذلك الرجل يحكمهم منذ أربعين عاماً، والهزء منه هو بمنزلة هزء ممن ارتضى به زعيماً، ففاق على وجوده وأنشأ أسرة في ظل هذا الوجود. وحين يذهب الرجل الآن بقوة صرف «الناتو»، يزداد حرج هؤلاء النبلاء في ليبيا. فالطريقة التي عومل بها، ربما هي إحدى تجليات مستقبل ليبيا القريب، البلد المسكون بعادات الثأر القبلي، وبتعدد العشائر والولاء من ناحية الدم والإسلام السلفي.

وهذا الليبي النبيل هو ذاته، الذي لا يقبل أن يقف لساعات بالطابور ليشاهد الجسد المنتفخ، في براد سوق اللحوم، معروضاً على طريقة قبائل إفريقية في عصور ما قبل الضوء.

 


في الواقع لا يستطيع أحدنا إلا أن يحزن على ذلك الليبي النبيل، الذي أحبطه جنون القذافي وإدارته للبلاد كمزرعة لأربعة عقود، ومن ثم خياره الإجباري الوحيد في سلطة نصبتها القوى الأجنبية المتشوقة لاقتسام ثروة البلاد والأفق الكئيب من بعد ذلك لقوى ليبيا الجديدة والقديمة المتصارعة مستقبلاً على جسد البلاد المهشم، ومن ثم الموت المخزي واستعراض الموت الوحشي. هذا الليبي الذي لم نسمع صوته، له أخوة في كل بلدان العرب ويثير الحزن الأليم.

 

زياد حيدر  - الوطن "السورية"