المازوت .. مقابل السلاح

سليم عبود - الثورة
لاأحد من السوريين لم تقلقه أزمة المازوت
طوابير الناس وأرتال السيارات المنتظرة أمام محطات الوقود، تقدم مشهداً يوحي أن الوطن كله في أزمة ... منذ سنوات طويلة، وأزمة المازوت موجودة، لكنها اليوم تكبر، وتتفشى معها ظاهرة التهريب كوباء خطير يخلخل المناعة البنيوية التي كنا نراهن عليها لمواجهة الفساد . ياترى .. هل باتت أزمة المازوت عصيّة على الحل ؟! في أزمة المازوت ، تتداخل الأزمات بشكل عجائبي «اقتصادية، واجتماعية وسياسية، وأمنية .».. وأكثر أبطال التهريب في الماضي هم اليوم أبطال القتل وتهريب السلاح، وأبطال السلاح مقابل المازوت .. اعترافات بعض القتلة أشارت إلى أن أمراء السلاح هم أمراء تهريب المازوت السابقين والحاليين . الندوة التلفزيونية للسيد وزير النفط مساء السبت الماضي على الفضائية السورية لم تمنح المواطنين تفاؤلاً بحل الأزمة أو باقتراب حلها، وبصراحة أيضاً كلام السيد الوزير لم يكن جديداً، هو هو منذ سنوات، نسمعه في الإعلام، وأمام مجلس الشعب، في كل مرة يتضمن « أرقام الاستهلاك في السنوات الماضية والسنة الحالية، و مقارنات مع أسعار الوقود في البلدان المجاورة ، ويتجاهل الدخل المرتفع للمواطن في تلك البلدان .. أو على الأقل لايعاني من أزمة الوقوف في محطات الوقود لساعات طويلة تحت الحر أو في الصقيع . هل رأيتم مشاهد الوقوف على المحطات العدوانية ؟! أقوال السادة المحافظين الذين داخلوا في الندوة، كانت تدور في الحلقة المفرغة نفسها التي يدور فيها كلام السيد الوزير « أنابيب تضخ النفط إلى خارج الحدود، مهربون، حدود مفتوحة، بعضهم يخزّن كميات أكثر من حاجته ، نفوس ضعيفة، وعود : سنجد آليات خلال الأيام القادمة، المسلحون « وفي النهاية وجد المتابعون لتلك الندوة أنفسهم في قناعة أن الجهات المشرفة على الحل فريسة عبارات جاهزة غير قادرة على إنتاج الحلول . حينما لا تستطيع الجهات المسؤولة معالجة أزمة، ولا الحدّ من مخاطرها ، لماذا لا تعترف بعجزها ،وهنا عليها إما أن تخرج من المشكلة كلها ، وإذا لم يكن لاهذا ولا ذاك، أتمنى عليها أن تتوقف عن إعادة تكرار المقولات القديمة. قضية المازوت مشكلة كبيرة .. أو على الأقل معالجات الحكومة الخاطئة جعلتها كبيرة .. الحكومة السابقة رحلت ولم تجد حلاً للأزمة، بل أنتجت حلولاً للأزمة أدت إلى إنتاج أزمات كثيرة، مرة اعتمدت المعونة المالية، ومرة اعتمدت توزيع القسائم، وفي الحالين أنتجت الحلول فاسدين وسارقين ومرتشين وأزمات أخرى . كنا نأمل أن تجد الحكومة الإصلاحية الجديدة حلاً لأزمة المازوت، ولأزمات الفساد، والهدر، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومنافذ الحدود الشرعية وغير الشرعية، ووضع استراتيجيات واضحة لكل القضايا التي نعاني منها، ولكل القضايا التي تواجهنا .. نحن اليوم بحاجة إلى إنتاج الحلول السريعة والفاعلة لأننا في مواجهة حقيقية مع جهات كثيرة تهدف إلى إغراق سورية في بحر من الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، والمحطات الفضائية المحرّضة تضخم اليوم أزمة المواطن السوري في الحصول على الوقود ، والحكومة مصرّة على أن الكميات الموزعة تضاعفت بنسبة أربعين بالمائة، لتضع المواطن في موضع التشكيك بالأرقام وبالمعالجات. أتمنى من السيد وزير النفط أن يتوقف عن اتهام المواطن بأنه سبب الأزمة، لماذا لم يقل إن المناخ، وآليات التوزيع المركزية وفي المحافظات، وضعف المراقبة وفسادها، كل ذلك هو السبب ؟! مايقلق المواطنين .. أن الحكومة التي نتمنى نجاحها، ونتمنى وصولها إلى حلول سريعة، مازالت كسابقتها مصرة على أن كميات الوقود الموزعة أكبر من الحاجة، وما زال وزير النفط يقدّم أرقاماً عن استهلاك النفط منذ سنوات، وكيف ينخفض الاستهلاك، ويرتفع بحسب ارتفاع الأسعار وانخفاضها ،لماذا لايقول بصراحة « بحسب العرض والطلب في سوق التهريب .» يوم جاءت الحكومة السابقة بقرار رفع أسعار المازوت إلى مجلس الشعب كان تصرفها هروباً من أزمة صنعتها، وهروباً من فشل أحدثته . بالرغم من ردود الفعل التي ستواجهني من بعضهم سأقول : « إن قرار خفض أسعار المازوت الأخير لم يكن في مصلحة المواطن والوطن، بل كان في مصلحة المهربين والفاسدين وأبطال صناعة الأزمات . نحن بحاجة إلى رفع أسعار الوقود من جديد، ولكن في ضوء أسس تخدم المستحقين للدعم، ومواطننا في سورية واع، و سيقدر حاجة الوطن إلى رفع أسعار النفط في هذه الظروف، والمواطنون في الأساس يشترون وقود التدفئة بأسعار أعلى من المقرر رسمياً ،إضافة إلى الجهد الذي يلاقيه للحصول على الوقود، كل شيء بعد خفض أسعار المازوت لم تتغير فاتورته» من أجور النقل... إلى ثمن المنتج المحلي « و خفض الأسعار شكّل عبئاً على الموازنة انعكس سلباً على نوعية وحجم الخدمات التي تقدم للمواطن، وعلى الرواتب، ورفع من وتيرة التهريب، وأخذنا نحو الأزمة القائمة أمام محطات الوقود . باستطاعة الحكومة أن تدرس حاجة أصحاب المضخات المائية والجرارات في قطاع الزراعة إلى المازوت لوضع آلية بشأنهم ،إما بإعفاء الجرارات من الرسوم، وبتحويل المضخات على الكهرباء بشكل نظامي لأن بعضها يأخذ الكهرباء في الأساس بشكل غير نظامي، ومن الضروري تخفيض رسوم وسائط النقل، أما بشأن الموظفين فهم يتقاضون جعالة وقود. لترفع أسعار النفط، لنوقف التهريب ونوفر المادة، ونمنع المهربين من الاستمرار، أو بتبديل النفط بالسلاح، وإن لم نفعل ستنقلب أصغر الأزمات بمرور الوقت إلى أكبر الأزمات.