المالية تفوزعلى الصناعة وتقذف بمشروعها إلى التقاعد

علم " شام نيوز " من مصادر حكومية أن رئاسة مجلس الوزراء شكلت لجنة من الوزارات المعنية(مالية، صناعة، شؤوون اجتماعية ...) لدراسة مشروع المرسوم الذي تقدمت به وزارة الصناعة بشأن تقاعد مبكر لمن بلغ الخمسين عاماً وسنوات خدمته تزيد عن ثلاثين سنة، بهدف تقليل العمالة الفائضة عن القطاع الصناعي والتي تزيد من تكاليف انتاجه ومن قدرته على المنافسة ، بيد أن معارضة وزارة المال واتحاد العمال ومؤسسة التأمينات تدلل – حتى الآن – على إجهاض المشروع.
حجة وزارة المال والأطراف المعارضة للمشروع أنه يزيد من الأعباء المالية على مؤسسة التأمينات ويفتح الباب للعمالة للهروب إلى القطاع الخاص، كما أن اقتراح الصناعة لمنح ثلاثة رواتب للعامل المستقيل كحافز، وجده المعارضون تبديدا للمال وأن تشغيل ابن المستقيل خدعة !!
وكانت وزارة الصناعة قد تقدمت بمشروع هدفه تخفيف عبء العمالة الفائضة وإبعاد من طحنه العمل اليومي الروتيني حتى غدا أقرب لذكر النحل "يأكل العسل ويضيّق المكان"، تقول: يحق للعاملين الدائمين في المؤسسات والشركات الصناعية ذات الطابع الاقتصادي والتابعة لوزارة الصناعة والذين تجاوزت أعمارهم /50/ عاماً وخدماتهم /30/ عاماً بجميع الفئات، الاستفادة من المزايا والإغراءات في حال تقديم استقالاتهم بشكل طوعي، وبعد موافقة الوزير بناءً على اقتراح اللجنة الإدارية في الشركات الصناعية ومجلس إدارة المؤسسة.
بصراحة.. "شي بشجع"
وقدمت الوزارة من الإغراءات ما يدفع حتى المستفيدين من وجودهم في العمل الحكومي للتفكير في الاستقالة، بيد أنها- الوزارة- ربطت الموافقة في شخص الوزير حصراً، كي لا تتسرب العمالة الماهرة والكفاءات من الشركات الصناعية.
منح راتب ثلاثة أشهر عن كل سنة من المدة المتبقية للوصول إلى سن التقاعد وفق الحد الأقصى لسقف الفئة وتتحمل الجهة المعنية النفقة المترتبة على ذلك.
ومن إغراءات التقدم طوعاً بالاستقالة أن يحسب للعامل المستقيل راتب تقاعدي وفقاً للقوانين والأنظمة، أي بمعدل 70% من راتبه الحالي.
ولم يغفل مشروع وزارة الصناعة قضية علاج العامل حتى بلوغه السن القانوني للتقاعد، إذ أكدت على تحمل الشركة أو المؤسسة تكاليف العلاج، بل وقدمت عامل تشجيع إضافي، إذ قالت: لأبناء العاملين المستفيدين (أي المستقيلين) الأولوية في التعيين المباشر وبحسب الشروط المطلوبة للشواغر المتوفرة.
معارضة وأعذار
الاتحاد العام للعمال- المكتب التنفيذي- رأى أن مشروع الوزارة بصيغته الراهنة لا يحقق الهدف والغاية، واقترح على الوزارة دراسة موضوع العمالة الفائضة، ولاسيما العمال المرضى، من خلال التنسيق والتشاور بين وزارة الصناعة ووزارتي المال والشؤون الاجتماعية والعمل والمؤسسة العامة للتأمينات والاتحاد العام لنقابات العمال.. ولم يكتف الاتحاد بالاقتراح، بل ناقش مكتبه التنفيذي نقاط مشروع وزارة الصناعة ورد عليها بالتفصيل وبالقانون.
قال المكتب التنفيذي: إن المشروع يرتب أعباء مالية كبيرة على وزارة الصناعة، وأنه- المشروع- يمنح للوظيفة الواحدة راتب /27/ شهراً في السنة بدلاً من /12/ شهراً ولمدة قد تصل إلى /10/ سنوات، إذا شغل المستقيل ابنه.
وأكد المكتب التنفيذي في رده أن منح راتب ثلاثة أشهر عن كل سنة حتى يصل العامل إلى سن التقاعد القانوني سوف يرتب على الوزارة ما يزيد عن /3/ مليار ليرة دون أن يقابلها أي عطاء إنتاجي، هذا عدا النفقة المضاعفة التي ستتكبدها الوزارة جراء تقديم العلاج الطبي للعامل حتى وصوله إلى سن التقاعد /60/ سنة.
أما لجهة أثر المشروع على مؤسسة التأمينات فقال اتحاد العمال: إن نقل أجور العمال من وزارة الصناعة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية سيكون له أثر سلبي، لأن فيه تجييراً للعبء المالي من الوزارة إلى المؤسسة، وهذا العبء ليس بالقليل إذ تدنو- أجور العمال- من /2/ مليار ليرة سنوياً، وبذلك- يتابع العمال دفاعهم عن حقوق التأمينات- تكون التأمينات قد حرمت من مواردها وهي الاشتراكات التي سيدفعها العامل لها فيما لو استمر على رأس عمله، لأن العامل استفاد من السقف المحدد /75%/ نتيجة خدمته /30/ عاماً.
أما لجهة القوانين الناظمة فقد رأى اتحاد نقابات العمال أن مشروع وزارة الصناعة مخالف لأحكام قانون العاملين الأساسي من حيث أسس التعيين وفق ما ورد في مادة تعيين أبناء العمال.
حجج وتصميم
وزارة الصناعة درست رد اتحاد نقابات العمال وردت مفندة- بالطريقة ذاتها- على معارضة وأعذار الاتحاد.
ما يتعلق بأعباء المشروع قالت الوزارة في ردها على "العمال": لا يرتب المشروع أي أعباء مالية على وزارة الصناعة والمؤسسات والشركات التابعة كون الوزارة قامت بدراسة التكاليف المترتبة على المشروع بدقة، وبالتالي كان هناك وفر قدره (4.4) مليار ليرة، كما قامت الوزارة بدراسة رواتب العمال المحتمل استقالتهم والعمال الجدد المقترح توظيفهم بدلاً عنهم، إضافة للمزايا المقترح تقديمها للعمال، وكانت النتيجة النهائية أن الوفر (4.5) مليار ليرة.
أما لجهة الرعاية الصحية قالت الوزارة: إن الدولة ملتزمة بشكل عام بتقديم الرعاية الصحية لكل مواطنيها، فإذا قدمت الوزارة العلاج الطبي للعمال القدامى والذين ستكون تكلفة علاجهم عالية إذا ما قورنت بتكلفة العلاج للعمال الجدد (الشباب) فغالباً لا تتحمل الوزارة التكلفة، أو قد تكون تكلفة بسيطة لعلاج العمال الجدد، وهذا سيتم تعويضه من نشاط العمال الجدد وعملهم المستمر أضعافاً مضاعفة عن التكلفة التي ستُقدم لهم، لاسيما إذا ما أخذت بعين الاهتمام الاستراحات المرضية الكثيرة التي قد تُمنح للعمال القدامى لكبر سنهم ولكثرة الأمراض التي يتعرضون لها.
وفندت الوزارة أثر مشروعها على مؤسسة التأمينات الاجتماعية، إذ لا أثر سلبي- من وجهة نظر الوزارة- جراء تنفيذ المشروع، لأن مؤسسة التأمينات ستقوم بدفع راتب العمال المتقاعدين، عاجلاً أم آجلاً، وهي تلتزم بتقديم رواتب العامل المتقاعد فور تقديم استقالته، وهناك كثير من العمال يقومون بتقديم استقالاتهم قبل الوصول إلى سن /60/ عاماً، ومن جهة ثانية فإن تقديم الاستقالات لن تكون دفعة واحدة، بل على مراحل، وبالتالي ليس من مشكلة، لأن المؤسسة لن تدفع أي مبلغ إضافي عن المبلغ المستحق للعامل المستقيل، وبالتالي لن يتم نقل أجور العمال من الوزارة إلى مؤسسة التأمينات، كون جميع العمال دفعوا تأميناتهم الشهرية والسنوية لما يزيد عن (30) عاماً، كما لم تحرم مؤسسة التأمينات من مواردها (الاشتراكات) لأنها أخذت اشتراكات لمدة (30) عاماً، وبالتالي حصل العامل على السقف المحدد له والبالغ (75%) من الراتب، وإن كل مبلغ تأخذه المؤسسة من العامل يعد خدمة (30) عاماً هو زيادة عن حقها وليس حقاً مكتسباً لها.
وعمّا قاله اتحاد العمال لجهة مخالفة القوانين في حال تعيين أبناء المستقيلين ردت الوزارة: ليس هناك أي مخالفة لأحكام قانون العاملين الأساسي كون المشروع المقترح سيصدر بموجب مرسوم تشريعي وبالتالي ستسوى الأمور القانونية بشكل نظامي ومطابقة للقانون.
أما لماذا
وزارة الصناعة لم تقف عند حد الرد على مزاعم اتحاد نقابات العمال، بل أفصحت عن سبب اتخاذها هكذا إجراء قد لا تكون منعكساته بالسهلة، يبد أن النتائج النهائية- بحسب الوزارة- هي في صالح العامل والوزارة والصالح العام في الآن نفسه، لأن الوزارة ستحقق وفراً قدره (4.5) مليار ليرة وسيتم تجديد العمالة والتخلص ما أمكن من العمالة المريضة والكبيرة في السن وستتملص أيضاً من تكاليف إضافية ما يمكّنها من منافسة القطاع الخاص والمنتجات المستوردة.
الرأي الفيصل
قد تكون الوزارة على حق وقد لا تكون، وكذا اتحاد نقابات العمال، بيد أن العامل وحده هو صاحب القرار، بأن يستقل ويستفيد من المزايا، ويعمل عملاً آخراً أو يتمتع بما تبقى له من عمر، أو يستمر بالعمل، لأن الاستقالة حسب مشروع الوزارة هي اختيارية ولا سلطة لأحد لإجبار العامل على ترك عمله.
يبد أن المفاجأة جاءت إثر نتائج الاستيبان الذي عممته وزارة الصناعة على المؤسسات الخمس التابعة، وكانت آراء العمال الذين تنطبق عليهم الشروط مع التقاعد المبكر وبنسبة 72%، فهل تدحض آراء العمال مزاعم اتحاد العمال؟!.
يا سامعين الصوت
رمت وزارة الصناعة هذا الحجر في بركة "البطالة المقنعة" الراكدة منذ أمد والتي يقر الجميع بأنها تزيد من التكلفة على المنتج النهائي، وتحرم غيرها من فرصة العمل، فهل سيلاقي المشروع رواجاً وطريقاً للصدور، ليكون ربما فاتحة لقطاعات أخرى، أم تراه سيركن لأن الفكرة ولدت مراراً وتم وأدها.
شام نيوز- خاص