المبادرات الثقافية المستقلة تحقق حضوراً واضحاً في الشارع السوري

ضحى حسن

تشهد الساحة العاصمة السورية دمشق مؤخراً نشاطاً غير مسبوق للمبادرات الثقافية المستقلة، التي تعنى بقطاعات وجوانب ثقافية لا تثير عادة شهية المؤسسات الثقافية الرسمية، التي يغلب على توجهها الطابع الدعائي.

وإن كان الحديث يدور هنا وهناك عن تيارين ثقافيين متقابلين، تيار جاد تحاول هذه المبادرات زيادة حضوره في الأوساط الشعبية، وتيار آخر ذو طابع مهرجاني تقود زمامه وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات الثقافية الرسمية.

 إلا أن هذه المبادرات المستقلة استطاعت الوصول إلى وصفة   تجمع بين الجدية وبين الجماهيرية،  وذلك رغم الفارق الهائل بين  إمكانات وتمويل كل من الجهتين ، آخذين بعين الاعتبار القوة اللوجستية والمالية التي تمتلكها المؤسسات الرسمية.

إحدى أكثر هذه المبادرات حضوراً في الأوساط الثقافية اليوم هو مهرجان الأفلام التسجيلية (دوكس بوكس) المنظم من قبل شركة برو أكشن فيلم التي يشرف عليها  عروة النيربية وشريكته ديانا الجيرودي.

هذا المهرجان الذي أطفأ شمعته الرابعة منذ شهرين تقريباً،  استطاع استقطاب  شرائح متنوعة من مختلف الطبقات الاجتماعية ، إذ غصت الصالات التي قدم فيها أفلامه التسجيلية بالحاضرين على مدى أسبوع كامل، وهو أمر لا يحصل عادة في مهرجان دمشق السينمائي أو في غيره من الفعاليات السينمائية المرتجلة، التي تنفذها المؤسسة العامة للسينما  في سينما الكندي بين الحين والآخر لذر الرماد في العيون، وإن كان المنظمون لأيام سينما الواقع يرفضون عقد أي مقارنة بين مهرجانهم وبين مهرجان دمشق السينمائي نظراً لاختلاف التوجه، إلا أن المقارنة هنا تأتي من وجهة نظر التخطيط والإدارة الثقافية.

والمثير في الأمر أن هذا النوع الفني (الفيلم التسجيلي) لا يلق اهتماماً أو تشجيعاً من قبل المؤسسات الحكومية في سورية، ويعود ذلك لنظرة ضيقة تصفه بالفيلم النخبوي، لكن جمهور (دوكس بوكس) أثبت العكس عبر الأرقام التي وصلت إلى حوالي 20 ألف مشاهد بحسب إدارة المهرجان هذا العام.

بالمقابل حل مهرجان الرقص المعاصر ضيفاً على دار الأسد للثقافة والفنون للسنة الثانية على التوالي، بفريق إداري لا يتعدى أصابع اليد الواحدة وميزانية يصفها القائمون عليه بالمخجلة.

هذا المهرجان يهتم هو الآخر بنوع فني غير مألوف بالنسبة للجمهور السوري لا بل ومستنكر من قبل المحافظين في وزارة الثقافة، حيث فجر المهرجان فضيحة منع فيلم (كافيه مولر) للراقصة الراحلة بينا باوش ، في حين أن الفيلم نفسه كان قد نال موافقة سابقة من وزارة الثقافة قبل عدة أعوام وتم عرضه في المركز الثقافي الألماني بناء عليها، وإن كان هذا يشير إلى شيء فهو يشير إلى تراجع هامش فهم العمل الفني لدى القائمين على الرقابة في وزارة الثقافة عما كانوا عليه في عهد وزراء آخرين.

أما في المجال الموسيقي فلا يمكن إنكار الدور الكبير لمهرجان الجاز يحيا في سورية، الذي سيقفل بعد أيام دورته السادسة في قلعة دمشق، حيث يشار إلى هذا المهرجان على الدوام بأنه هو من أطلق تيار المبادرات الثقافية المستقلة منذ عام 2005 على يد مديره الفني هانيبال سعد، الذي تسلم منذ أسابيع قليلة الإشراف على المهرجان بصيغته الفنية والإدارية بعد أن انتهت فترة احتضانه من قبل روافد المشروع الثقافي لدى الأمانة السورية للتنمية، وحيث كانت المراهنات قائمة في كواليس الإدارات الثقافية هنا وهناك على نجاح أو فشل المهرجان بعد أن عاد مستقلاً مرة أخرى، فإن قائمة المراهنين على نجاحه تزداد يوماً بعد يوم، ويكفي إلقاء نظرة على برنامج المهرجان وعدد الحضور الذي تغص به قلعة دمشق كل مرة لإثبات ذلك.

لكن هناك من يقول أن كل هذه المهرجانات تقام بدعم ورعاية من المؤسسات الثقافية الرسمية كوزارة الثقافة أو مديرية المسارح و الموسيقى أو مديرية السينما؟

بالطبع لا يمكن إقامة أي فعالية مستقلة دون وجود شراكة مع جهة رسمية ما، هذه  هي الطريقة الوحيدة لمنح المهرجانات أو الفعاليات المستقلة صفة الشرعية، ولمنحها كذلك تسهيلات لوجستية لا تبدأ عند السماح بنشر الملصقات، ولا تنتهي عند استئجار المسارح والصالات، ويبقى استمرار ونجاح أي من هذه النشاطات مرهوناً بالعلاقة بين منظميه وبين القائمين على المؤسسات الرسمية الذين يمتلكون قرار الحكم بالموت أو الحياة على هذه المهرجانات بحسب قراءة سجلاتهم في السنة السابقة.