المرأة المحجبة والأمريكان..

اطلعت على مقطع فيديو في موقع يوتيوب عبارة عن كاميرا خفية في مقهى في أميركا أعده برنامج برايم تايم في قناة آي بي سي نيوز ضمن سلسلة (ماذا تفعلون ؟) وهو يرصد ردة فعل الناس عندما يواجهون أمراً خاطئاً حسب قول المذيع هل يتدخلون أم يدبرون ؟ فكرة الحلقة تدور حول امرأة مسلمة محجبة تدخل إلى المقهى وتطلب شراء بعض الأطعمة إلا أن البائع يرفض بيعها وينهرها كونها محجبة مما يعني أنها غير أمريكية حيث إن الأمريكان لا يلبسون مثل لبسها ليروا ردة فعل الزبائن !! قال المعلق قبل أن يبدأ المشهد (إن هذا المقهى يقدم التعصب الأعمى مع المعجنات والقهوة) ويتساءل عن ردة فعل الزبائن حول هذا الفعل المتطرف من البائع ، فالمذيع وصف فعل البائع بالمتطرف أي أن كلمة التطرف والتعصب الأعمى وغيرهما من الكلمات الوصفية ليست كما يعتقد بعضنا يقتصرها الغرب على المسلمين فهم يصفون بها الفعل بصرف النظر عن الفاعل ، اختلفت ردود الفعل مابين مؤيد للبائع ومنحاز للمرأة ، العدد الإجمالي لمن رصدتهم الكاميرا 22 شخصا 13 منهم دافعوا عن المرأة المحجبة، منهم من ترك المتجر، ومنهم من دخل في نقاش حاد مع البائع و6 أشخاص ساندوا البائع ورأوا أنه حر في تجارته يبيع لمن يشاء وهنا علق المذيع (الصوت خلفية) بأن النظام يحظر عدم خدمة أي شخص بناء على دينه أو عرقه ، وبقية العدد وقفوا متفرجين لم يتدخلوا..
الجميل في البرنامج أن المذيع لم يكن يرصد ردة فعل المشترين فقط بل يتحدث معهم تحت الكاميرا أيضاً فمن وقف متفرجاً سأله لماذا لم تتدخل لمساندة المرأة ؟ وكأنه بهذا السؤال يحرجه أمام نفسه, كيف ترى أمامك امرأة أو إنساناً يُهان وتقف متفرجاً ؟! ومن وقف مع البائع يتناقش معه كيف تساند شخصاً يعتدي على آخر بسبب ملابسه أو دينه ؟! وقد يتعرض المذيع لتطاول من بعض الأشخاص ولكنه لا يبالي فلديه هدف يجب أن يصله ، ومن يقف مع المرأة يسأله بعد أن يشكره على موقفه لماذا ساندها ؟ استضاف المذيع أخصائيا نفسيا اجتماعيا ليقرأ له ردود أفعال الناس فسأله عن سبب الغضب الحاد الذي صدر من بعض المساندين للمرأة المحجبة فقال الأخصائي (لخوفهم على العدالة فالعدالة هي التي تجمعنا).. كانت إجابة عميقة جداً ومحددة الأخصائي يرى أن العدالة قيمة منتشرة في المجتمع وليست في ساحات القضاء فقط فعندما تنتهك هذه القيمة وعلى الملأ لأي سبب سيسهل انتهاكها فيما بعد ، فالمسألة في نظرهم ليست مسألة دينية وإنما مسألة إنسان كائن يجب أن يُحترم أياً كان دينه وعرقه ويرون أن حضارتهم بنيت على احترام هذا المخلوق فمن استهان بإنسان لأي سبب كان من وجهة نظره سيعتاد على الأمر وفي كل مرة سيعطي لنفسه تبريرا يسمح له إتيان هذا الفعل ، فالقضية مرتبطة بتقدير القيمة ، قد يكون من أسباب إعداد هذه الحلقة هو خوف المعدين من فقدان بعض قيمه ، المجتمع هنا ينظر لمصلحته أولاً وليس للآخر ، فالقيم يجب أن تكون راسخة لا تهتز بناء على المواقف والأشخاص ، وفي المرتبة الثانية من الأهمية تأتي صورة أمريكا وهذا ما وصفه الأخصائي في شرحه لموقف الفتاة الحاد تجاه البائع حيث قال (إنها تتكلم بلسان أمريكا) أي أن هذه الفتاة تعكس صورة الفرد الأمريكي ، حتى من ساند البائع يعكس صورة أمريكا ولكن يبدو من هذه الحلقة أن العقل والقيم كانا الغالبين وذلك حسب العدد المساند للإنسان والمتمثل في المرأة أكثر من منحاز للتطرف والمتمثل في البائع، وإذا أردنا أن تكون صورتنا أجمل علينا أن نغلّب العقل والقيم على المشاعر الخاصة التي قد تكون منقادة ومقلِّدة أكثر من كونها مدركة ومحايدة..
أمل الحسين - الرياض