المسنجر و الفيس بوك سبب ابتعاد الشباب عن القراءة

 

اليوم وقد توسعت سبل المعارف بفضل تطور وسائل الاتصال في العالم، أصبحت قضية العلاقة بين الشباب والقراءة مشكلة تصل إلى درجة الأزمة، كذلك تراجع ما هو معروض في المكتبات من كتب تهم الشباب، وارتفاع الأسعار، وفرض نوعية من المؤلفات على عقلية القارئ، وغياب التوجيه في المدارس إلى جانب الفضائيات التي تأخذ ساعات طويلة من وقت الشباب، هذه العوامل جعلت صلة الشباب بالقراءة محدودة، ربما تصل إلى درجة الانقطاع الكامل عند العديد منهم.

 

قراءة مرتبطة بالمقررات الدراسية

 

ولعل أول ما يقوي نفور الشباب من الكتاب هي المقررات الدراسية التي تفوق في بعض الأحيان قدرات الفهم لدى التلاميذ والطلبة، يقول أحمد تلميذ في البكالوريا: «لا أحب القراءة، لقد أتعبتني الكتب، تكفيني الكتب المدرسية التي تجعلني أشعر بالملل والدوار، فأنا أنتظر مرور هذا العام الدراسي بفارغ الصبر كي ألقي بهذه الكتب بعيداً عن ناظري...». وتعزز نهى هذا النفور حين تقول: «الكتب بالنسبة لي شيء أقل ما يمكن أن يقال عنه هو إنه نشاط ممل، فلم أقرأ كتابا في حياتي أبدا غير المقرر الدراسي، وقصص المكتبة الخضراء عندما كنت صغيرة، لا أريد أن أضيع وقتي مع الكتب، أفضل بدل ذلك مشاهدة فيلم من ساعتين أستمتع فيها، كما أنني أرى أن الكتابة لن تنفعني إلا في فقدان بصري في سن مبكرة».

فقد أصبح همّ أغلب الشباب اليوم الذين ما زالوا في طور الدراسة هو النجاح في الامتحان، ومن ثم فإن مطالعاتهم وإن كثرت تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمقرر الدراسي.

تقول نبيلة: «قراءة الكتب والمطالعة رهينة بوقت الفراغ الذي يتوافر للفرد. شخصيا، عندما كنت أدرس الشعبة الأدبية في الباكالوريا، كنت أثابر على قراءة الروايات باللغات التي أتقنها. مع انتقالي إلى الجامعة، تخليت عن هذه العادة الحميدة بسبب انعدام الوقت، ذلك أنني لم أعد أطالع إلا ما هو على صلة بمقرر السنة في شعبة الحقوق».

 

غلاء أسعار الكتب سبب

من أسباب العزوف عن القراءة

وعندما يُسأل الشباب عن سبب هذا الهروب من الكتاب، يكون جوابهم مرتبطا بالقدرة الشرائية وغلاء الأسعار، يقول سفيان: «تعاني الأسر العربية من غلاء الفواتير على تنوعها، وفي بعض الأحيان قد يضاهي ثمن الكتاب الواحد ثمن كيلو غرام واحد من اللحم... شخصيا، أعتقد أن الكتابة محض تجارة لا تدر النفع إلا على أصحابها قبل أن تساهم في توعية أو تثقيف فئة معينة».

 

موضوع نسبي يختلف حسب الميول والاهتمام

على حين إن فئة أخرى من الشباب ترى أن الموضوع نسبي وتختلف حسب الميول والاهتمام، تقول ندى: «أنا أحب قراءة كل ما يتعلق بالموضة والأزياء، وهذا أمر لا يمكن لأحد أن يجادلني فيه، فالموضة أيضاً هي نوع من الثقافة». ويعزز جون هذا الطرح حين يقول: «أنا مهووس بقراءة أخبار النجوم، أقرأ كل ما له علاقة بأكلهم، شربهم، علاقاتهم ومشاكلهم العاطفية، واستثماراتهم المالية». أما سارة فتضيف: «لا يقرأ الشباب لأنه على ما يبدو لا تحل القراءة أياً من مشاكلهم اليومية أو همومهم، شخصيا لا أشتري جريدة إلا عندما أكون بصدد البحث عن عمل، لكنني اكتشفت أن من لا يقرأ يدفع الثمن غاليا جدا».

بينما يعزو آخرون الأمر إلى انعدام جودة الكتب المعروضة في السوق، تقول مريم: «لا أرى في معروضات السوق من الكتب أي جودة تضيف للعقول شيئا، لذا فلا أستغرب هذه الهجرة».

ماذا عن التقنيات التكنولوجية؟

 

ولم يعد الكتاب يؤنس وحدة الإنسان في ظلام الليل أو رفيقه أثناء السفر، إذ ما فتئت الحواسيب والقنوات الفضائية تحتل مكانه بكل سهولة، وتصبح جليسا للشباب عوضه، ومع تطور التقنيات التكنولوجية، تسلل الماسنجر والفيس بوك إلى حياة الشباب بسرعة البرق، فلم يعد فيها من متسع للمطالعة ولم تعد الكتب تلقى أي إقبال.

عبد الله، مدمن على تحريك أصابعه في لوحة المفاتيح: «أحب متابعة المختصرات الرياضية على الإنترنيت، أنا من الأشخاص الذين لا يقرؤون على الأوراق، فأقرأ وأتكلم مع أصدقائي في الوقت نفسه، لا يمر يوم أو نصف يوم دون أن أكون على موقع الفيس بوك».

كما أن ألعاب الكمبيوتر تشكل حافزاً أساسياً لانعدام القراءة وخصوصاً أن 61 بالمئة من المراهقين الذكور يستخدمونها يومياً قياساً إلى 44 بالمئة من الفتيات. ولا يبدو الهاتف الخلوي أقل مسؤولية وخصوصاً إذا أخذ بالحسبان أن القراءة الوحيدة التي يمارسها المراهقون بفضله هي الرسائل القصيرة على شاشته!

قيل في الماضي «الأمة التي تقرأ هي الأمة التي تملك المستقبل»، وحضارة العرب الكبرى في الماضي هيمنت على زمانها لأن العرب كانوا من الشعوب التي تحب القراءة، وعندما تركوا هذا الطريق سقطوا إلى تحت مستوى التاريخ، وغابوا عن قيادة العالم، والشباب إن غابت عنهم المعارف التي تشكل رؤيتهم وتصورهم للحياة، فقدوا تحديد اتجاههم ومكانتهم في المجتمع، ربما تحولوا إلى هموم وأزمات قد تصل إلى حد الانفجار.

 

دراسات

أظهرت إحدى الدراسات العربية أن 77% من طالبات الجامعة يقرأن المجلات النسائية الترفيهية، والموضوعات الفنية 66%، والشعر 24%، والقصص 20%، والصحة العامة 20%، والموضوعات الدينية 4%، والموضوعات التعليمية/التربوية 3%، والأدبية 2.6%، والسياسية 2%، والحاسب والتكنولوجيا 1.5%، والتاريخية 1%. ويظهر من النتائج اهتمام الطالبات بقراءة المجلات والموضوعات التي تركز عليها وتروج لها القنوات الفضائية التي تهدف إلى تسطيح ثقافة الشباب وصرف انتباههم عن قضايا الأمة. ويظهر التناقض بين الموضوعات التي تقرؤها الطالبات في المجلات والموضوعات التي قرأنها في المدرسة. كما أكد بعض الدراسات أن سبب العزوف عن القراءة يعود إلى إسهاب توافر الوسائل التكنولوجية المتطورة في المنازل، مثل التلفزيون والكومبيوتر والهاتف الخلوي بحيث بات الجهازان الأولان جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. فطفل من أصل عشرة يعرف كيف يشغل جهاز التلفزيون قبل أن يبلغ عامه الأول، كما أن 5 بالمئة من هذه الشريحة تعرف كيف تستعمل جهاز التحكم عن بعد. وأثبتت دراسة تناولت 3500 مراهق في عام 2005، أن ثلثيهم يمضي خمس ساعات يومياً أمام الشاشة الصغيرة.

وصبّت نتيجة دراسة في الإطار ذاته، إذ إنها كشفت أن التلاميذ الذي يملكون جهاز تلفزيون في غرفة نومهم يسجلون تراجعاً بنسبة 8 نقاط في القراءة نسبة إلى غيرهم.

 

 شام نيوز- الوطن