المسيحيّون اللبنانيون والعرب يسألون عن الثورات العربية

 

 

تشهد الأوساط المسيحية اللبنانية والعربية العديد من النقاشات بشأن ما يجري في الدول العربية من تطورات بعد الثورات العربية ووصول الحركات الاسلامية الى مواقع متقدمة في الحكم والمجالس البرلمانية.

وبرزت في هذه الأوساط خلافات في وجهات النظر بين من يعتبر ان المطلوب دعم هذه الثورات بلا أي تحفظ، لأن هذا هو الموقف المسيحي المبدئي الداعم للحريات وحقوق الانسان والرافض للاستبداد والديكتاتورية، وبين من يبدي تخوفاً من نتائج هذه الثورات ووصول الاسلاميين إلى الحكم، ما قد يؤدي الى انعكاسات سلبية على دور وموقع المسيحيين في لبنان والشرق. وان كان هؤلاء المسيحيون يميزون بين دور وموقف «الاخوان المسلمين» وبين «التيارات السلفية المتشددة».

 


ولقد برز الخلاف في الأوساط المسيحية بشكل لافت من خلال التباين في مواقف البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الذي اطلق عدداً من التصريحات التي تضمنت ابراز المخاوف من وصول الاسلاميين المتشددين إلى الحكم والتحفظات على ما يجري في سوريا من احداث والتي قد تنعكس سلباً على مصير المسيحيين.

وفيما عمدت «القوات اللبنانية» وبعض مسيحيي «قوى 14 آذار» الى انتقاد مواقف البطريرك الراعي، فإن «التيار الوطني الحر» اعلن دعمه لمواقفه، في حين ان مسؤولي «حزب الكتائب» لم يطلقوا مواقف واضحة من هذه المسألة، وعمد رئيسه الشيخ أمين الجميّل الى اجراء سلسلة لقاءات وزيارات لمتابعة ما يجري في المنطقة وفهم ابعاد الثورات العربية.
 

فما هي حقيقة المخاوف المسيحية مما يجري في الدول العربية من تطورات؟ وهل هناك امكانية لمعالجة مخاوفهم من وصول الاسلاميين للحكم وللمجالس البرلمانية في هذه الدول؟
 

حقيقة المخاوف
 

تقول مصادر مقربة من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي والكنيسة المارونية «ان المسيحيين يشهدون منذ عدة سنوات تراجعاً كبيراً في دورهم وعددهم في مناطق الشرق، خصوصاً العراق وفلسطين ولبنان والأردن، كما انهم متخوفون على مصيرهم في مصر بسبب ما يتعرضون له من مشاكل وحرق لكنائسهم، وقد اتت الثورات العربية ووصول الاسلاميين الى مواقع متقدمة في الحكومات والبرلمانات وبروز التيارات السلفية لتزيد من هذه المخاوف في ظل ما تشهده بعض الدول العربية من أحداث وعدم وضوح المشروع الاسلامي المستقبلي».

 


وتضيف المصادر «ولقد أدت الأحداث في العراق خلال السنوات الثماني الماضية، اضافة لما جرى في بعض الدول العربية الى ازدياد هذه المخاوف، مما أدى لعقد سينودوس خاص في الفاتيكان قبل حوالى سنة ونصف من أجل بحث مصير المسيحيين في الشرق، ولقد قرر البابا بنديتكوس الثاني عشر زيارة لبنان في شهر ايلول المقبل لاعلان نتائج السينودوس وخطة العمل المستقبلية لحماية دور المسيحيين ووجودهم في الشرق. وان مواقف البطريرك الراعي تأتي في هذا الاطار وليس دعماً لنظام أو جهة سياسية بل لإبراز المخاوف على مصير المسيحيين».

 


وفي مقابل هذه الأجواء فإن قياديي «القوات اللبنانية» و«قوى 14 اذار» رفضوا مواقف البطريرك الراعي الخائفة من الثورات العربية والداعمة ولو بشكل غير مباشر للنظام السوري الحالي وقد اطلقوا العديد من المواقف المنددة بمواقف الراعي، فيما حرص مسؤولو حزب الكتائب وعلى رأسهم الرئيس أمين الجميل على عدم انتقاد الراعي، بل عمد الجميّل لزيارة مصر وتركيا وبعض الدول العربية لمتابعة ما يجري وأشاد الجميّل بالوثائق والمواقف التي اطلقها شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب حول الحريات والدول المدنية.

 


اما «التيار الوطني الحر» فقد اعلن دعمه لمواقف رأس الكنيسة المارونية واطلق مسؤولوه سلسلة مواقف حول المخاوف من وصول الاسلاميين الى الحكم سواء في سوريا أو الدول العربية.

 


معالجة المخاوف بالحوار

 


لكن كيف يمكن معالجة مخاوف الأوساط المسيحية اللبنانية والعربية من الثورات العربية من دور الاسلاميين في المستقبل؟

 


تتفق بعض المصادر القريبة من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي ومن زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون «على أن الحل الوحيد لإزالة المخاوف المسيحية يتمثل بالحوار المباشر بين الأوساط الكنسية والسياسية المسيحية وبين قادة ومسؤولي التيارات الاسلامية في لبنان والمنطقة. وان القوى الاسلامية معنية بإيضاح مشروعها السياسي المستقبلي وخصوصاً لجهة ادارة الحكومات والأحوال الشخصية وموقع المسيحيين في الدولة».

 


ولقد بدأت بعض مراكز الأبحاث والدراسات والمؤسسات الدينية اللبنانية القريبة من البطريركية المارونية ومن التيار الوطني الحر عقد سلسلة مؤتمرات وندوات للبحث حول مختلف التيارات الاسلامية، كما يتم التحضير لعقد مؤتمر موسع من قبل احد مراكز الأبحاث اللبنانية في منتصف شهر حزيران المقبل حول القوى الاسلامية والديمقراطية.

 


اما على صعيد «القوات اللبنانية» وبعض «قوى 14 آذار» فقد عمدت لاجراء حوارات داخلية سواء حول الثورات العربية أو القوى الاسلامية وجرى استضافة بعض المتخصصين في الدراسات الاسلامية لشرح مواقف وآراء القوى الاسلامية.

 


وتعتبر بعض المصادر السياسية اللبنانية «ان الخلاف بين بعض الأطراف المسيحية اللبنانية حول الموقف من الثورات العربية والقوى الاسلامية قد يكون ناتجاً من الصراع السياسي والشعبي بين هذه القوى، مما يدفع كل فريق لاتخاذ موقف متباين من الآخر».

 


لكن بغض النظر عن المخاوف التي تبديها القوى المسيحية الدينية والسياسية من الثورات العربية ومدى صحة هذه المخاوف، فإن هناك انطباعاً لدى العديد من الباحثين والناشطين السياسيين اللبنانين والعرب بأن الخيار الوحيد لإزالة المخاوف يكون عبر الحوار المباشر وصدور مواقف واضحة من مختلف القوى الاسلامية حول المسائل السياسية وادارة الحكم والقضايا المتعلقة بالحريات وحقوق الانسان.

وقد تكون قوى «الاخوان المسلمين» في لبنان والمنطقة معنية أكثر من غيرها بعقد مثل هذه الحوارات واصدار المواقف والتصريحات الواضحة لازالة المخاوف والعمل لبناء رؤية مشتركة حول الثورات العربية وما يجري في المنطقة من احداث.