"المشوار" إلى أنطاكيا.. لم تعد تفصلنا عنه الحدود

 

"رايحين مشوار على انطاكيا" جملة باتت تسمع كثيراً في الشارع السوري، و الحلبي خصوصاً، فالمدينة التي تبعد 100 كلم تقريباً عن حلب، شكلت منذ القديم قبلة سياحية للكثيرين؛ حيث ذكر عن ياقوت الحموي قوله: "كانت العرب إذا أعجبها شيء نسبته إلى انطاكية".

البحث عن وسيلة نقل تكون أولى خطوات الرحلة، الأمر الذي صار متوفراً بخيارات متعددة وأسعار مناسبة لكافة الشرائح، فمنها التكاسي أو الباصات الصغيرة والذي لا تحوي مفكرته أرقام هواتف للسائقين لن يجد صعوبة في التوجه إلى المكاتب السياحية التي أصبحت تؤمن رحلات شبه دورية، بعد ذلك لا شيء سيوقفك إلى "باب الهوى"، الفاصل الحدودي، الذي يقع في منتصف المسافة تقريباً بين التوأمين حلب وانطاكية.

قبل الوصول إلى نقطة العبور يظهر الطريق الروماني الأثري بعراقته التي تعود للقرن الثاني الميلادي ليودع زواره المغادرين من "باب الهوى" وما هي إلا أمتار بعد تجاوز مركز الحدود يظهر قصر البنات، يقع اليوم داخل ممر العبور بين سوريا وتركيا، الذي يعتبر من فنون العمارة السورية حيث يضم أعلى برج في شمالي البلاد بالإضافة إلى ذلك يشكل آثراً دينياً خالداً كونه الدير الذي سكنته الراهبات في أوائل الألفية الأولى للميلاد لذا أطلق عليه "قصر البنات".

عند تجاوزك نقطة العبور تودع الأراضي السورية وتحل ضيفاً في الجانب التركي، لتستقبل مباشرة من ضيعة الريحانية الغافية عند أقدام جبل باريشا فيوقظك صباحها على عبق البساطة والهدوء المنتشر في شوارعها ومن خلالها تتجه نحو عاصمة اللواء.

لن تجد الغربة طريقها إلى قلبك عند دخول انطاكية فالمدينة التركية اليوم بقيت وفية لتاريخها؛ حيث كانت عاصمة سوريا على مدى أكثر من 800 عام، وبذلك من الطبيعي أن تسمع العربية وتكون لغة الحديث مع سكان المنطقة، وهنا يشير السيد اسماعيل، صاحب محل جلديات، "أن الزبائن السوريين من كافة المحافظات يقصدون مدينتنا ولم ينقطعوا عنها فسوق أنطاكية متنوع يشمل الأسواق القديمة والمحلات التجارية بالإضافة إلى وجود شارع يتضمن فروع للماركات العالمية الموجودة وهو ما يكفل لكافة الشرائح ان تجد ما يناسبها"؛ حيث لا تزال الشوارع مزينة بلوحات إعلانية عربية يجيد قراءتها غالبية السكان وهكذا لن تواجه مشاكل في التواصل.

تشتهر المدينة التي تبعد عن المتوسط 25 كلم بمؤكلاتها الشهية فأنصار الوجبات السريعة تكون الشاورما التركية بالنسبة لهم خياراً ممتازاً، أما من يفضل المطاعم فسيجد في ضيعة الحربيات المجاورة ضالته خصوصاً مع مشهد وأصوات مياه الينابيع المتفجرة في المنطقة، و في كلا الحالتين لابد من تناول الكنافة التي تعتبر من الحلويات المميزة هناك.

انطاكية المدينة العريقة تاريخياً أقيمت على انقاض مدينة الاسكندرونة، بناها انتيكون 317 ق.م عند مصب نهر العاصي، بأمر من سلوقس نيكتار مؤسس الدولة السلوقية عام 301 ق.م وأخذت اسمها نسبة إلى والده أنطيوخوس، وبنفس الطريقة أنشاء لاثوديسيا (اللاذقية) على اسم والدته في حين حملت أفاميا اسم زوجته.  فالمدن الثلاث تعود جميعها إلى مؤسس واحد وتمتاز معمارياً بإنشائها وفقاً للنظام الشبكي (الشطرنجي) لذا تشكل وحدةً لا يمكن تجاهلها.

اليوم تحافظ انطاكية على عراقتها فيشهد لها بذلك الجسر الروماني، متحف الفسيفساء، كنيسة القديس بطرس، إضافة إلى بقايا قلعتها .. أسوارها .. مغاراتها، ليبقى الجبل العجائبي شاهداً على إرثها ومستقبلها حيث يجمع كل من دير سمعان العمودي الشاب وطواحين هواء التوليد الكهربائي في مشهد فريد يظهر أصالة الماضي وحداثة الحاضر، وبذلك تعطي انطاكية المدينة الملونة بأنيتها الزاهية وأسلوب الحياة المعتدلة فيها مثالاً حضارياً لتمازج القديم مع الحديث.

 

 

جاك قس برصوم- شام نيوز- أنطاكيا