المصارف اللبنانيّة صامدة في السوق السورية

هناك 7 مساهمات لبنانية في مصارف سورية، 6 من بين هذه المجموعات المصرفية الكبرى تملك حصصاً كبيرة تصل إلى النصف تقريباً من أسهم المصارف المؤسسة في سوريا، فيما هناك مجموعة واحدة تملك 7% فقط. أما تأثير هذه المساهمات على المصارف اللبنانية فليس كبيراً، لكنه مؤشّر على تطوّر الأوضاع في لبنان وسوريا خلال الأشهر المقبلة. إذ تتراوح درجة اعتماد المصارف اللبنانية على هذه المساهمات بين 4% و20% من أرباحها الإجمالية، كلّ بحسب حجم حصّته في المصرف السوري، قياساً على الحجم الإجمالي لمجموعته، علماً بأن حصّة هذه المجموعات في السوق اللبنانية تتراوح بين الكبرى والصغرى.
يملك مصرف «بيمو ـــ لبنان» مباشرة وعبر أفراد من آل عبجي ما نسبته 28.3% من أسهم بنك «بيمو السعودي الفرنسي» في سوريا، فيما يملك «البنك اللبناني الفرنسي» ما نسبته 49% من أسهم «بنك الشرق» في سوريا. ويملك «فرنسبنك» ما نسبته 48% من أسهم «فرنسبنك سوريا». ويملك كل من «بنك عوده ـــ مجموعة عوده سرادار» و«بنك عوده سرادار للأعمال» و«شركة ليبانون أنفست» (مملوكة من بنك عوده لبنان)، وأفراد لبنانيون أكثر من 47% من أسهم «بنك عوده سوريا». ويملك «بنك بيبلوس لبنان» 41.5% من أسهم «بنك بيبلوس سوريا». ويملك «فرست ناشيونال بنك» ما نسبته 7% من أسهم «بنك سوريا والخليج»، ويملك «بنك لبنان والمهجر» مباشرة وعبر أفراد من آل الأزهري ما نسبته 52.3% من أسهم «بنك سوريا والمهجر». وتظهر النتائج المالية الإجمالية لهذه المصارف السبعة أن مجمل موجوداتها تراجع خلال الأشهر التسعة الأولى من 2011 بنسبة 12.9% ليصبح 341 مليار ليرة سورية (6.686 مليارات دولار) في نهاية أيلول 2011، مقارنة مع 391.9 مليار ليرة سورية (7.684 مليارات دولار) في نهاية 2010. كما تراجعت محفظة التسليفات والقروض الواردة في بند «تسهيلات ائتمانية مباشرة» بنسبة 2% لتصبح 145.8 مليار ليرة سورية (2.860 مليار دولار)، مقارنة مع 148.9 مليار ليرة (2.919 مليار دولار). بالإضافة إلى ذلك، تراجعت ودائع الزبائن بنسبة 21.2% لتصبح 262.5 مليار ليرة سورية (5.147 مليارات دولار)، مقارنة مع 333.4 مليار ليرة سورية (6.537 مليارات دولار).
في المقابل، عمدت هذه المصارف إلى زيادة رؤوس أموالها بعدما سمح القانون السوري برفع نسبة تملك الأجنبي إلى 60% من الأسهم، فزادت رؤوس أموالها بنسبة 9.16% ليصبح مجموعها 26.084 مليار ليرة سورية (511.4 مليون دولار) في نهاية أيلول 2011، مقارنة مع 23.905 مليار ليرة سورية (468.7 مليون دولار) في نهاية 2010. لكن هذه المصارف اضطرت، بحسب مصادر المجموعات المصرفية الأم في لبنان، الى أن تأخذ مؤونات على خسائر محتملة، وأن تستعمل بعض رؤوس الأموال لإطفاء ديون وخسائر من ميزانياتها، علماً بأن بعضها واجه مشاكل في زيادة رأس المال بسبب نقص المستثمرين من السوق السورية.
رغم كل ذلك، لا تزال هذه المصارف تقف بقوّة بوجه الأزمات العاصفة في السوق السورية، وتمكنت من «التصرّف» باتجاه الحفاظ على استقرارها واستدامتها في هذه السوق. ففي النتائج المالية عن الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، تبدو الأرباح المحققة «معقولة» قياساً على الأوضاع في سوريا، فقد حققت هذه المصارف أرباحاً بقيمة 2.134 مليار ليرة سورية (41.8 مليون دولار)، أي بزيادة نسبتها 6%، مقارنة مع 2.012 مليار ليرة سورية (39.45 مليون دولار) محققة في الفترة نفسها من عام 2010.
إذاً، المؤشّرات الماليّة للمصارف السورية التي فيها مساهمات لبنانية تبدو «مقبولة» حتى الآن، إلا أن المتابعين في سوريا يعربون عن قلقهم على القطاع المصرفي من التغيّرات المرتقبة خلال الأشهر المقبلة وإمكان التأثير فيها. فالأوضاع مأسورة تماماً بالمشهد الأمني المحلي وبالتطورات السياسية الإقليمية والعالمية، لأن ما كان «مقبولاً» في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، ربما ستكون له تداعيات مختلفة خلال الفترة المقبلة. في الغالب، هناك توصيف واحد لهذه الأزمة أينما حلّت لأن الخوف من تواصل هروب الودائع التي تمثّل العصب الأساسي للعمل المصرفي يفتح الباب أمام هذا النوع من القلق المبرّر. وفي سوريا تحديداً، فإن الودائع المتوافرة في المصارف الخاصة، سواء كانت مصارف إسلامية أو تجارية، تعود بجزء أساسي منها إلى صغار المودعين، أي المدخرين الذين يتأثرون بتقلبات الأزمة ويتفاعلون معها.
أبرز ما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال يتعلق بالتطورات النقدية. فقد بدأ أصحاب المدخرات يتفاعلون مع تطوّرات الأزمة من خلال استبدال أموالهم من العملة السورية بالدولار، واليورو... التبديل بالعملات استمرّ متكرراً مرات عدّة، مؤثراً على حركة النقد ودخول الأموال وخروجها، ولا سيما عبر السوق السوداء.
على أي حال، إن معظم أرباح المصارف في سوريا متأتية من محفظة التسليفات التي تتوزّع بصورة أساسية على الشركات ورجال الأعمال، تليها تسليفات التجزئة التي تمثّل الجزء الأصغر في المحفظة. إلا أن هذه المحفظة لم تشهد أي تسليفات جديدة، إلا ما ندر، منذ بدء الأزمة في سوريا في آذار الماضي. آنذاك، يؤكد المراقبون أن المصارف التجارية الخاصة توقفت عن الإقراض بصورة شبه نهائية اعتباراً من نيسان 2011، كما أن «هروب» الأموال بدأ مع الأسابيع الأولى للأزمة، «فمن كانت لديه قنوات لتهريب أمواله، سواء بصورة شرعية أو غير شرعية، لن ينتظر حتى الآن»، ولذلك، فإن ما يشاع عن انسحاب وهروب للأموال من سوريا عبر لبنان هو «مبالغ فيه الآن»، فضلاً عن أن «الأشهر الأربعة الأخيرة، أي منذ آب 2011، هي التي شهدت تطوّرات توصف بأنها صعبة».
شام نيوز - صحيفة الاخبار