المصالحة الفلسطينية تثير الهستيريا في إسرائيل

منذ اللحظة الأولى لإعلان الاتفاق بين حركتي فتح وحماس بادرت حكومة الكيان الإسرائيلي إلى شن الحرب عليه فالمصالحة الفلسطينية

ومهما كان مستواها مرفوضة لأنها تفقد حكومة تل أبيب إحدى أهم ذرائعها في لحظة سياسية حرجة خصوصاً وأن العالم ينتظر رؤية ما ستؤول إليه الجهود الفلسطينية لكسب التأييد العالمي لإعلان الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل على حدود العام 1967.‏‏

ويكفي هنا التوقف أمام رد الفعل الإسرائيلي على المصالحة الفلسطينية لإدراك حجم المكاسب التي حققتها اسرائيل من الخلاف الذي استمر على مدى السنوات الخمس الماضية.‏‏

فرئيس الوزراء الاسرائيلي اتخذ على أثر التوقيع على المصالحة في القاهرة أمرين ينمان عن عداء واضح لهذه المصالحة، الأمر الأول: وقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بحجة أن قرارها بات مرتبطاً بقرار حركة حماس التي ترفض اسرائيل التعامل معها وترفض أن تكون طرفاً في المفاوضات.‏‏

أما الأمر الثاني: الذي اتخذه نتنياهو فكان مصادرة عائدات السلطة الفلسطينية من الرسوم والضرائب التي تجبيها اسرائيل على صادرات الضفة الغربية والتي تشكل الدخل الأساس الذي تعتمد عليه السلطة لدفع رواتب الموظفين الاداريين والأجهزة الأمنية.‏‏

لم تكتف اسرائيل بذلك بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أعلنت بالنيابة عن الولايات المتحدة أنه «لا أموال سوف تدفع للسلطة الفلسطينية من اسرائيل ولا مساعدات سوف تقدم إليها من الإدارة الأميركية إذا التزمت بالاتفاق مع حماس ما يعني ذلك اعلان القطيعة السياسية والمالية الاسرائيلية مع السلطة وقد يمتد ليشمل الولايات المتحدة وأوروبا وهو ما سعى إليه بنيامين نتنياهو في باريس وبرلين ولندن عندما زار هذه العواصم مؤخراً.‏‏

وإذا كانت المصالحة الوطنية قوبلت بارتياح على الجانب الفلسطيني والعربي فإنها قوبلت بالتهديد والوعيد على الصعيد الاسرائيلي وبقطع المعونة المالية عن السلطة الفلسطينية على الصعيد الأميركي وبتذكير «حماس» بضرورة الانصياع لشروط اللجنة الرباعية أي الشروط الاسرائيلية وهي الاعتراف بـ «اسرائيل» دولة يهودية ونبذ العنف والاعتراف بالمعاهدات السابقة أي أوسلو وتوابعها.‏‏

لهجة التهديد هذه ليست جديدة وليست الأولى في هذه الفترة وبالتحديد منذ حملة الضغط الدولية للتقدم نحو مفاوضات السلام مع الفلسطينيين والاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية.‏‏

ومنذ حفل التوقيع على المصالحة الفلسطينية في القاهرة خرجت حكومة تل أبيب ممثلة برئيسها بنيامين نتنياهو ومعظم وزرائها بحملة تحريض على السلطة الفلسطينية تستهدف في الأساس رئيس السلطة الفلسطينية لإظهاره على أنه ليس شريكاً في المفاوضات.‏‏

وبعد موافقة عباس على المصالحة مع حماس صعد الاسرائيليون من هذا التوجه معتبرين حماس تنظيماً «ارهابياً» ومن يتحالف معه يكون قد اختار الارهاب وفضله على السلام.‏‏

لهجة التهديد ارتفعت بعد عودة نتنياهو من زيارة فرنسا وبريطانيا حيث صعدت حكومته من شروطها معلنة أن اسرائيل لن تقبل بالمصالحة الفلسطينية والتعامل مع حماس، وخرجت بشروط جديدة تطالب فيه رئيس السلطة الفلسطينية بالعمل على تفكيك البنى التحتية لصواريخ حماس في غزة وتسليمها إلى الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة وأن الحكومة الإسرائيلية ترفض بشكل قاطع التعامل مع حكومة تشارك فيها حماس.‏‏

واستناداً إلى ما نقله الوزير الاسرائيلي يوفال شكاينتس فإن نتنياهو اتفق مع البريطانيين والفرنسيين على المبادىء الأساسية للموقف الاسرائيلي الرافض للمصالحة، وأن الأمر الأهم الذي حققه نتنياهو في زيارته إلى فرنسا وبريطانيا هو تعميق الالتزام على شروط الرباعية التي تعني الاعتراف بإسرائيل ومحاربة الارهاب.‏‏

مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية والتوقيع على اتفاق المصالحة باتا يبددان الزعم الاسرائيلي الدائم بأنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام.‏‏

اليوم وبعد التوقيع على المصالحة الفلسطينية بات الشريك موجوداً لكن الكيان الصهيوني يشن حرباً على أي خطوة تقرب الفلسطينيين من بعضهم ومن إمكان قيام دولة لهم على أي جزء محرر من أرضهم السليبة معتمداً على الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة مهدداً بوقف المعونات التي تقدم للسلطة الفلسطينية في حال قيام الفلسطينيين بتشكيل حكومة تشارك فيها حماس في وقت لا تتورع فيه حكومة بنيامين نتنياهو عن الإقدام على أي فعل ارهابي لاستدراج الحماية والدعم من الولايات المتحدة من الغرب الذي يواصل انحيازه الأعمى لاسرائيل وكل ما تقوم به في فلسطين المحتلة.‏‏

اسرائيل تهدد وتتوعد في حال أعلن الفلسطينيون دولتهم وتهدد كل من يعترف بها اليوم وفي المستقبل وصولاً إلى الأمم المتحدة التي يمكن أن تعترف بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 في أيلول المقبل.‏‏

فإذا كان الاحتلال يرفض ويمنع إعلان الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين فكيف إذاً تسمح بقيام هذه الدولة التي تعتبرها تهديداً لأمنها وسلامتها؟‏‏

اسرائيل تخطط لإقامة «دولة يهودية» على أسس عنصرية في فلسطين كلها إذا ما بقي الموقف العربي متشرذماً وإذا ما بقي الغرب ثابتاً في انحيازه إلى العدو الصهيوني ومؤيداً لإقامة الدولة اليهودية والاعتراف بها رسمياً ويريد من الفلسطينيين الاعتراف بهذه الدولة اليهودية.‏‏

الاحتلال يسعى إلى الاعتراف بدولة يهودية تشطب فلسطين وشعب فلسطين ويعمل في نفس الوقت لمنع اعتراف العالم بدولة لشعب احتلت أرضه على جزء منها.‏‏

لقد ثبت بالدليل القاطع أن الانقسام الفلسطيني واستمراره يخدم بالتأكيد اسرائيل ومخططاتها الاجرامية وهو ما أكده عضو الكنيست السابق أوري أفنيري حين قال: كلما كان العدو أكثر انقساماً كان هذا أفضل.‏‏

 

 

الثورة