المصري اليوم - الصورة المفبركة

لماذا فبركت جريدة الأهرام المصرية صورة مغايرة للحقيقة، لتجعل الرئيس المصري يتقدم الرئيس الأمريكي والإسرائيلي والفلسطيني والأردني فى الموكب السائر إلى المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى واشنطن سبتمبر ٢٠١٠؟ لولا اكتشاف هذه الخدعة بواسطة خبراء التزييف لما أدرك الشعب المصري الحقيقة المؤلمة، لماذا أصبح تزييف الوعي ظاهرة القرن الواحد والعشرين، قرن الإعلام التكنولوجي الحديث وما بعد الحديث؟ الحداثة أو ما بعد الحداثة كلمات مزيفة، فشلت فى تهذيب العالم البشري ليصبح إنسانيا وليس غابة قائمة على الحرب والاستغلال والخداع؟ نحن نعيش حضارة طبقية أبوية واحدة، وليس عدة حضارات، تغير من صورتها على الدوام، لتخفي حقيقتها غير الإنسانية، لا يمكن استمرارها على مدى القرون دون تزييف، فى الغرب الاستعماري العسكري أو فى الشرق المقهور داخليا وخارجيا، حضارة قائمة على الظلم، والتفرقة العنصرية والدينية والعرقية والطائفية والجنسية، لا تكف الحروب الدولية والمحلية الاقتصادية المادية التى تتغطى بشعارات دينية روحية مزيفة، أصبحت كلمة الديموقراطية أو السلام أو الشراكة أو الصداقة أو الحب أو الإيمان ضمن أسلحة تغييب الوعى والتزييف. ربما كانت صورة جريدة الأهرام المفبركة ساذجة مكشوفة، بسبب التخلف التكنولوجى فى بلادنا، لكن فى الغرب تصبح عمليات التزييف السياسي أو الاقتصادي أو الأخلاقي (ومنها الخيانات الزوجية) أكثر حصافة يصعب اكتشافها. يكتظ الإعلام بصور المرشحين والمرشحات، وقد عادوا جميعا إلى سن الشباب بالبشرة المتوردة المشدودة، والكلام الناعم المعسول عن خدمة الفقراء والمقهورين، من أجل ماذا كل هذا التنافس؟ من أجل الله والوطن؟ لا أحد فيهم يعمل لنفسه ومكاسبه، الكل ينكر ذاته، يتنافس على خدمة الفقراء والله والوطن، يتقاتلون، يتراشقون بالاتهامات وأفظع الشتائم (من الفساد الاقتصادى إلى الفساد الجنسي)، كل هذا الصراع الدموي بين المتنافسين فى الانتخابات (يمين يسار حكومة معارضة إخوان أخوات) من أجل خدمة الله والوطن والفقراء؟ المرشحون الأثرياء يدفعون مئات الآلاف من الجنيهات للناخبين، الأقل ثراء يوزع ثلاجات أمريكية أو سجاجيد من إيران أو مسابح من مكة أو علب طعام محشو كفتة أو كباباً، قد يستخدم بعض المرشحين عصابات من البلطجية لضرب خصومهم أو تمزيق لافتاتهم، حتى المرشحات النساء يقلدن المرشحين الرجال، فى صراعهن الدموي حول الكراسي. كل هذا التقاتل الانتخابي الرهيب من أجل الله والفقراء وخدمة مصر الحبيبة، فى أحلامهم فقط فى ظلام الليل تلوح لهم الحقيقة تحت الصورة المزيفة: الملايين أو البلايين التى يكسبها نواب بيع الأراضي أو نواب العلاج على نفقة الدولة أو نواب القروض أو غيرها، وسائل الثراء الحديثة تحت قبة البرلمان، فى الانتخابات الأمريكية أو الأوروبية تبدو الصورة الديمقراطية أكثر إتقانا، تتخفى أموال الشركات الرأسمالية الكبيرة التى تمول المرشحين والمرشحات، تتخفى المصالح والتحالفات المسيحية اليهودية وراء الشعارات الروحية وكلمة الرب، يبدو النيولوك حقيقة طبيعية لوجه العجوز من الحزب الديمقراطي المنافس للمرأة الحسناء من الحزب الجمهوري، وقفزاته الخفيفة على السلالم ينافس بها قفزات باراك أوباما الشاب وهيلاري كلينتون الأقل شبابا. يمتد التظاهر وتغليب الشكل على الجوهر والصورة على الحقيقة من الانتخابات والسياسة إلى الدين والأخلاق والحب والحياة الخاصة، فى نيويورك يخفي حرق المصحف الأهداف السياسية للاستعمار الإسرائيلي الأمريكي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والبنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، تتحول الحرب الاقتصادية العالمية إلى حرب دينية طائفية، تم تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الأرض والثروات إلى صراع ديني بين اليهود والمسلمين على الروحانيات وتحجيب النساء، تم احتلال العراق بالحرب العسكرية تحت اسم الديمقراطية وحقوق النساء والأكراد والشيعة والصوفيين، ينسحب الجيش الأمريكى صوريا من العراق (تاركا قواعده هناك) بعد تحقيق أهدافه الثلاثة: احتكار البترول، تمزيق العراق طائفيا، سيطرة إسرئيل على المنطقة. المصري اليوم - نوال السعداوي