المصري اليوم

  

أعترف يا سيدي المحقق بأنني المسؤول وحدي عما حدث. أنا الذي مددت يدي إلى أموال العملاء في البنك وأخذتها، أو كما يقول قرار الاتهام سرقتها. لم تطلب مني زوجتي ذلك ولم تدفعني إليه، وليس لديها أدنى فكرة عما فعلت. واعترافي هذا لم يجبرني عليه أحد بتهديد أو وعيد أو ترغيب، فعندما استدعانى مدير البنك وسألني عما في دفاتري من أخطاء اعترفت على الفور بجريمتي، ليس لأن ضميري قد استيقظ. فلم يكن ضميري نائما طوال الوقت الذي كنت أسرق فيه البنك. وليس لأن ضميرى كان يعذبنى بقسوة، فلم أجرب هذا الإحساس من قبل. لقد اعترفت ببساطة لأنني كنت قد تعبت من السرقة. وبدأت أحس برغبة قوية في العقاب. وكل ما سرقته يا سيدي المحقق قد طار فى الهواء. لن تجدوا في بيتي فلسا واحداً. ولن تجدوا عقارا ثابتا أو منقولا باسمي أو باسم زوجتي.

■ أين ذهبت كل هذه الأموال؟

- صرفتها كلها فى العلاج يا سيدى، علاج زوجتى. فبعد شهر العسل ي.- الذى كان عسلاً بحق - أصيبت زوجتى بمرض يسمونه الاكتئاب. وهو مرض فظيع يا سيدى. بل هو أفظع الأمراض التى تصيب الزوجات.. اصطحبتها لكل أطباء العلاج النفسى. أنفقت عليها كل ما كنت أملكه من مدخرات، ولكنها لم تتحسن بل ازدادت حالتها سوءا. وبالرغم من أن اكتئابها كان من النوع الهادئ غير الضار، وغير الضار هنا بمعنى أنها لا تذبحنى وأنا نائم مثلا، هذا ما أكده لى الأطباء. وأكدوا لى أيضاً أننى سأحيا معها فى تعاسة دائمة. كانت فاترة غير متحمسة لشىء، تتحرك بهدوء وخفة كالشبح، تتحدث همساً، ليس ذلك الهمس المحبب بل ذلك النوع من الصوت الخافت المبحوح، الذى إذا سمعته كثيراً فقد يدفع بك إلى الجنون. وفجأة، بطريق المصادفة، بعد عذاب طويل اكتشفت علاجاً مدهشاً. أهديتها خاتماً صغيراً من الماس كنت قد ورثته عن أمى. نظرت للخاتم بإعجاب، ولمعت عيناها ببريق حى أخاذ. وشيئاً فشيئا دبت فيها الروح. انتهى الاكتئاب وحلت محله حالة من البهجة الجميلة. لقد تحولت لشخصية أخرى، نشطة، تضحك، تغنى تتفنن فى طهو الأطعمة التى أحبها، تحرص على مظهرها طوال اليوم. باختصار يا سيدى عشت معها أسبوعاً فوق السحاب. أسبوعا فى الجنة. أما الأسبوع الذى يليه فقد فوجئت بنفسى وقد عدت لنيران الجحيم. لقد عادت إلى حالة الاكتئاب اللعينة فجأة وبلا أى مقدمات. لقد انتهى مفعول الخاتم وعلىّ أن أجدد الدواء بآخر ما معى وكل ما استطعت الحصول عليه من أصدقائى، اشتريت لها سيارة سبور فاختفى الاكتئاب على الفور وعدنا للحياة فوق السحاب. استمرت الحياة فى الجنة هذه المرة أسبوعين، عدت بعدها إلى الجحيم، بالتحديد فى الدرك الأسفل منه. كانت تطلب من نوادى الفيديو أفلام الرعب فقط، وأفلام المآسى والكوارث المفجعة، كانت تمر علىّ لحظات أشعر فيها أن شقتى أصبحت مأهولة بأبطال أفلام الرعب. استولى علىّ شعور غامض بأنه فى أى لحظة سأفاجأ بدراكولا فى الحمام، أو مصاص للدماء يتناول عشاءه فى المطبخ أو فرانكشتين شخصيا يجلس إلى مكتبى. وبالرغم من كل ذلك كنت قادراً على التحمل، أما هى فقد تطور اكتئابها وبدأ يتحول للنوع الخطر. عند ذلك نصحنا الأطباء بضرورة تغيير الجو والسفر بعيداً. اقترحت هى باريس، عاصمة النور، نمضى فيها عدة أيام، ثم نمضى الصيف على شاطئ الريفيرا. فشلت فى اقتراض مصاريف الرحلة من أصدقائى، كما فشلت فى بيع قطعة الأرض التى أملكها، فسوق الأراضى فى ذلك الوقت كانت قد أصابها الكساد.. لا.. لم أتحول للص فى هذه اللحظة، لقد قررت أن أقوم بعملية تغيير بسيطة فى بيان حساب العملاء.. تلك التى تسمونها تزويراً.. حتى أتمكن بها من الحصول على ما يكفى الرحلة وعندما أعود.. أبيع قطعة الأرض بعد أن يرتفع سعرها وعند ذلك أسدد المبالغ التى أخذتها من البنك أو- كما تقولون - سرقتها. وفى باريس، يا سيدى المحقق، اتضح أنها ليست معجبة بها بوصفها عاصمة للنور والثقافة والفن، ولكن بوصفها عاصمة للملابس والأزياء أما شاطئ الريفيرا يا سيدى، فلم أره ولم أتمتع بأمواجه. لم نخرج من الفندق. ولكنها بشكل عام كانت رحلة جميلة. عندما عدنا وجدت مشتريا لقطعة الأرض بمبلغ كبير يغطى المبلغ الذى.. عفواً.. سرقته، ولكنى لم أعده للبنك فقد كنت فى حاجة لشراء سيارة جديدة بدلا من سيارتنا القديمة التى بعتها وسددت بها بعض الديون الصغيرة.. السيارة الجديدة يا سيدى تهشمت فى حادث نتج عن سرحانى أثناء القيادة. عدت للسرقة بعد ذلك مرات ومرات، فقد كان الاكتئاب اللعين يلتهم كثيراً من الفساتين والمعاطف والهدايا والرحلات. أنا أعرف يا سيدى أنها رفعت دعوى فى المحكمة تطلب الطلاق. وعندها حق يا سيدى، بأى وجه ستقابل أهلها وصديقاتها وهى زوجة لمختلس.. لص؟!

 

علي سالم - المصري اليوم