المطلوب إنهاء هذا الاحتلال المزمن أولا

 

بعد مرور ثلاثة وستين عاما على النكبة، ما تزال مأساة الشعب الفلسطيني على حالها بل تزداد سوءا كل يوم. والأحداث التي وقعت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى حدود فلسطين التاريخية أمس الأول، تثبت أن الأمور وصلت حد اليأس منذ وقت طويل. ومعنى ذلك أن تطورات خطيرة ربما ستحدث في المستقبل القريب، ما لم يتوقف مدُّ التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، وتتعامل اسرائيل بشفافية واحترام مع الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وفي طليعتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

 


بعد ستة عقود وتزيد على النكبة التي لا تريد اسرائيل الاعتراف بها، وتصرُّ على أن فلسطين كانت أرضا خالية تنتظر أن تملأها جموع اليهود الوافدين من أقطار الأرض، بعد هذه الفترة الطويلة التي أثمرت ثلاثة أجيال جدد من اللاجئين الفلسطينيين الأوائل، لم يتغير الموقف العنصري الاسرائيلي المصمم على شطب صفحة لا تقبل الشطب من تاريخ شعبنا الفلسطيني، وفرض الطبيعة اليهودية بالقوة على هذه الأرض، وتجاهل حق اللاجئين الفلسطييين في العودة إلى ديارهم.

 


وفي الوقت نفسه، تسمح اسرائيل بدخول أجانب يحملون مختلف جنسيات العالم ويدينون باليهودية، ولم تكن لهم أو لأجدادهم أي صلة مباشرة بفلسطين، وتسارع لمنحهم الجنسية وتغدق عليهم الأموال لترسخ أقدامهم، ليس فقط داخل الخط الأخضر، بل أيضا في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، التي زرعتها اسرائيل بمئات المستوطنات، ومئات الآلاف من المستوطنين.

 


وما تقوم به اسرائيل من خلال مواصلة توسيع الاستيطان هو، في الواقع، وصفة مؤكدة لإشعال فتيل قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم، لأنها تكرر في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ نفس السيناريو الذي طبقته عقب قيامها عام ١٩٤٨، حين أقامت مستوطناتها ومستعمراتها فوق مئات القرى الفلسطينية المدمرة. وكان باستطاعتها لو كانت تريد السلام والأمن وتتجنب الحروب والمواجهات التي حدثت بعد ذلك، أن تعيد اللاجئين الذين شردتهم في تلك السنة، وتترك لهم حرية العيش الآمن في ديارهم.

 


اسرائيل التي قامت على مبدأ القوة والاستقواء العسكري، فعلت الشيء نفسه عقب حرب ١٩٦٧، فأقامت المستوطنات بجوار القرى الفلسطينية لتخنق تلك القرى، وتحول دون أي امتداد عمراني أو سكاني، وتحد يذلك من الوجود الفلسطيني، بشريا وأرضيا. وهذه هي السياسة التي ما تزال تتبعها حتى الوقت الحاضر.

 


وعلى الرغم من هذه السياسة الاسرائيلية، التي أقل ما يقال فيها أنها غير ودية تجاه الفلسطينيين، فقد تمسك الشعب الفلسطيني وما يزال بخيار السلام، وقبل قيام دولة فلسطينية على مساحة خمس أرض فلسطين التاريخية، وتفاوض مع الجانب الاسرائيلي، عبثا، على آلية لتنفيذ هذا الحل المعروف بحل الدولتين. لكن اسرائيل وضعات كل العقبات أمام المفاوضات، حتى تحولت إلى حوار للطرشان، أو دوران في حلقة التعنت الاسرائيلي المفرغة.

 


ما يطلبه الفلسطينيون ليس الحصول على القمر أو المريخ، وإنما إنهاء هذ الاحتلال الذي سجل رقما قياسيا في طول مدته، وقسوة ممارساته، وتشبث الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة به. إن وضع حد للاحتلال هو مسؤولية المجتمع الدولي، الذي فرض على الفلسطينيين خيار السلام، وألغى أي خيار آخر- تاركا اسرائيل في موقف التفوق العسكري والسياسي المطلق، وطالبا من الفلسطينيين، المحرومين من أي غطاء مادي أو سياسي، أن يتفاوضوا مع طرف اسرائيلي مدجج بالسلاح، كل هدفه هو تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان.

 


وفي انتظار ما سيفعله المجتمع الدولي مع المبادرة الفلسطينية للمطالبة بالاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في حدود ١٩٦٧، سيظل الفلسطينيون في حالة ترقب، لكنها ليست خالية من الأمل بأن تتكلل مبادرتهم هذه بالتأييد والمساندة والنجاح.

 

القدس