المفتشة التي منعها عطري من كشف الفساد تتحدث

 

المفتشة الشابة آثلة الخطيب من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، صاحبة القصة الشهيرة عام 2007 عندما داهمت أمانة عدرا الجمركية وكشفت عن ملف خطير للفساد، وبينما كانت على وشك كشف كل حيثيات الملف جاءها قرار رئيس الحكومة السابقة محمد ناجي العطري بالتوقف عن البحث عن الملف.

الآن تجد هذه المفتشة الفرصة متاحة لتتحدث عن رؤيتها لمكافحة الفساد في ضوء أخطاء ارتكبتها اللجنة المكلفة بوضع أسس لمكافحة الفساد من خلال هذه المقال الذي نشرته صحيفة تشرين:

لا بد أن نقف عند حقيقة الوضع في سورية ونضع يدنا على الجرح والأكثر من هذا ألا نزيد نزف الجرح بل نضمده, فنحن الآن أمام مفترق طريق, فإما أن نعبر بسلام ونكون أقوى أو نتعرض لانتكاسة تعود بنا عقوداً إلى الوراء, ولكي نعبر بسلام ينبغي على كل مسؤول من موقعه أن يقوم بالإصلاح وأن يساهم فيه على قدر مسؤوليته. وأنا من موقعي كمفتشة في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش كان من واجبي أن أضع بعض النقاط التي أرى أنه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار , وأعتقد أنه ما زال بالإمكان أخذها بعين الاعتبار إذا كانت النية صادقة فعلاً لدى اللجنة التي تم تشكيلها لتحديد وتوصيف جرائم الفساد وآليات مكافحته في وضع الأسس الصحيحة لمكافحة الفساد. ‏

إن الجهة المعنية بمكافحة الفساد /حتى الآن/ هي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وكان من المفترض أن يكون في اللجنة التي تم تشكيلها لتحديد وتوصيف جرائم الفساد وآليات مكافحته عضو واحد على الأقل يمثل الهيئة المركزية. والأكثر من ذلك تضمنت اللجنة ثمانية محامين قاموا بتوصيف أعمال قطاع تنفيذي دون وجود أحد من هذا القطاع في اللجنة المذكورة . ‏

ذكرت اللجنة في تقريرها أنَّ التقييم العلمي لحجم الدور الذي يؤديه كل من الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في مجال مكافحة الفساد لا بُدَّ أن يعتمد على إحصاءات وبيانات بنوع وعدد قضايا الفساد التي وضع الجهازان اليد عليها وكمُّ المال العام الذي تم استرداده فعلاً, وانتهت اللجنة إلى أن مثل هذه الإحصاءات والبيانات لا تتوافر لدى اللجنة, وبدوري أقول إن هذه البيانات والإحصاءات متوافرة لدى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ولكن لم تطلبها اللجنة من الهيئة. ‏

أشارت اللجنة إلى أن عدم وصول جهود الجهازين الرقابيين إلى تحقيق تراجع ملحوظ للفساد يعود إلى أسباب موضوعية منطقية وأسباب ذاتية تعود لانتقاء المفتشين وتأهيلهم, وتدني المستوى العلمي. لكن الحقيقة التي أعتقد أن اللجنة تعرفها، هي أن كل العاملين بالتفتيش من حملة الإجازات الجامعية ويخضعون للتدريب والتأهيل مدة ثلاث سنوات وبعد انقضاء المهلة يخضعون لامتحان مفصلي ينتهي إما بنجاح المفتش ومتابعة عمله التفتيشي أو برسوبه وانتهاء عمله بالتفتيش. ‏

ذكرت اللجنة أن من أسباب الفساد بطء إجراءات التحقيق في قضايا الفساد التي تتولاها أجهزة الرقابة, إلا أن اللجنة لم تسأل المفتشين عن سبب البطء والتأخير, وبدورنا لا ننفي وجود بعض الفساد بجهازنا ونحن نسعى لاستئصاله, فالإجراءات المتبعة في التحقيق والرقابة قد تطول عن قصد أو غير قصد سواء من المفتش أو رئيسه أو المسؤول الأعلى وهذه الإجراءات كفيلة بتأخير القضايا ليس لسنة بل لسنوات. ‏

اقترحت اللجنة دمج الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في جسم رقابي واحد ، ولكن هذين الجهازين موجودان في معظم دول العالم بشكل منفصل وكل جهاز له اختصاص وصلاحيات مختلفة عن الآخر , فمهام الجهاز مراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة وتأشير قرارات تعيين الموظفين , في حين أن عمل الهيئة كما ورد في قانون إحداثها هو حماية المال العام وتطوير العمل الإداري وتسهيل توفير الخدمات للمواطنين . ‏

اقترحت اللجنة إصدار تشريع يتضمن إلغاء الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وإحداث هيئة أو مجلس أعلى لمكافحة الفساد تعهد له اختصاصات من بينها الهيئة المقترح إلغاؤها, وهنا نجد أنه لم يتغير شيء سوى اسم الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش, مادامت الهيئة الجديدة أخذت اختصاصاتها. وهنا يجب أن نتوجه للجنة بالأسئلة التالية: ‏

-ما هدف إلغاء الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؟ فإن لم تفلح الهيئة في مكافحة الفساد والحد منه في السنوات الماضية فلماذا تعهد للهيئة الجديدة اختصاصات الهيئة المزمع إلغاؤها؟ ‏

-ما الهدف من دمج الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش مع الجهاز المركزي للرقابة المالية وكيف سيتم إتباع هيئة لهيئة أخرى؟ وما الاختصاصات البديلة عن تلك التي سُحبت منها؟ ‏

-ألن يكون هناك ازدواج بالعمل الرقابي؟ مادامت اللجنة لم تسحب اختصاص الهيئة المركزية بالتحقيق والتفتيش مثلما فعلت بالجهاز المركزي للرقابة المالية. ‏

اقترحت اللجنة أن ترتبط الهيئة أو المجلس الأعلى برئاسة الجمهورية (وليس برئيس الجمهورية), وهنا تم تقييد المجلس فالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وفق المادة/2/ من قانونها رقم 24 لعام 1981 هي هيئة رقابية مستقلة ترتبط برئيس مجلس الوزراء والهيئة عانت الكثير من ضغط السيد رئيس مجلس الوزراء السابق والملفات التي حُفظت من قبله تكدست في الهيئة ولغاية الآن لم تر النور بعد. هذا الأمر فوّت على الخزينة أموالاً طائلة والآن أتت اللجنة لتربط المجلس الأعلى بوزارة شؤون رئاسة الجمهورية كما يُفهم من المقترح، وليس برئاسة مجلس الوزراء كما كان بالنسبة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش , و كما هو معمول به في الدول المتقدمة يفترض أن تكون الهيئة مسؤولة أمام لجنة مختصة في مجلس الشعب , وهذا مجرد اقتراح يمكن مناقشته . ‏

كما اقترحت اللجنة أن يستتبع إصدار التشريع الجديد نقل المفتشين والعاملين الأكفاء في الهيئة إلى ملاك الهيئة أو المجلس الجديد, وهنا لا بد أن نسأل اللجنة: ‏

-ما الأسس التي ستتّبع في تقييم العاملين والمفتشين في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؟ ‏

-من هي اللجنة التي ستقوم بالتقييم, هل هي من داخل الهيئة أم من خارجها؟ ‏

-هل سيتم تعيين اللجنة قبل استئصال الفاسدين من الهيئة المركزية أم بعده؟ ‏

وأخيراً يجب أن نعلم أن عدد مفتشي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بدمشق وفروعها كافة في المحافظات لا يتجاوز /565/ مفتشاً. وهذا العدد قليل جداً مقارنةً بحجم القضايا الملقاة على عاتق الهيئة, وإذا كانت الهيئة قد سببت الفساد وزيادته وكانت تعرقل عملية التطوير فيجب أن نسأل أنفسنا: هل الجهات غير التابعة لوصاية الهيئة المركزية أقل فساداً من الجهات التابعة لوصاية الهيئة ؟؟؟ نترك الحُكم للقارئ. ‏

”أهل مكة أدرى بشعابها». من هذا المنطلق ومن منطلق الحرص لدى العاملين في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، على المساهمة في مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد الضرورية جداً لعمل