المناخ الاقتصادي يزدهر وسط مؤشرات على انتعاش عالمي

 

شهد المناخ الاقتصادي العالمي المستويات الأعلى له على الإطلاق منذ العام 2007، غير أنّ بعض المشاكل قد تظهر في المستقبل وذلك، بحسب ما ورد في التقرير الفصلي الأخير الذي نُشِر الأربعاء حول الاقتصاد العالمي والصادر عن غرفة التجارة الدولية ومعهد إيفو الألماني للأبحاث الاقتصادية ومركزه ميونخ.

في المقابل، بلغ مؤشر غرفة التجارة الدولية ومعهد إيفو الألماني للمناخ الاقتصادي العالمي في الفصل الأخير المستوى الأعلى له منذ أربع سنوات مسجّلاً 107,7 نقاط في شهر أبريل ومتجاوزاً قيمته المتوسطة التي وصلت إلى 96.9 في الفترة الممتدة بين 1995 و2010. أما الرقم الذي يرتكز إلى مسحٍ طال أكثر من 1000 عالم اقتصادي في 120 بلداً، فيشمل تقييمات المستجيبين الإيجابية على نحو متزايد حول الوضع الاقتصادي في بلادهم بالإضافة إلى توقّعاتهم للأشهر الستة المقبلة، هذا وكان قد انخفض بشكلٍ معتدلٍ ومؤقتٍ ليبقى إيجابياً وأكيداً في الوقت عينه.

وعلى الرغم من تفاؤل التقرير بشكلٍ عامٍ، فهو يسلّط الضوء على اختلافاتٍ إقليميةٍ واضحةٍ وعلى عوامل قد تتسبب باضطراب إضافي لعملية الانتعاش الاقتصادي العالمي في الأشهر الستة المقبلة. إليه، ورد عجز الميزانية العامة في أعلى قائمة الخبراء حول المشاكل الملحّة، أي قبل معدّلات التضخّم العالية والبطالة.

وفي هذا السياق، أشار الأمين العام لغرفة التجارة الدولية "جان غي كارير" قائلاً: "تعتبر النتائج التي توصّل إليها تقرير غرفة التجارة الدولية ومعهد إيفو الألماني مؤشّراً مشجّعاً على استمرار انتعاش الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من ذلك، فهي تشير أيضاً إلى قلقٍ متزايدٍ من مستويات العجز العام التي تراكمت منذ الأزمة المالية.

وفي حال لجأت الحكومات التي تكافح من أجل تخفيض ديونها إلى السياسة الحمائية، سيظهر خطرٌ حقيقيٌ متمثّلٌ بعرقلة الانتعاش الاقتصادي العالمي وتأخّره. من هنا، يتوجّب على الحكومات أن تعمل معاً وتعزّز نظاماً تجارياً متعدد الأطراف قد يتيح الفرصة أمام الاقتصاد العالمي للاستمرار في استعادة قوّته".

ومع توقّع ارتفاع معدّلات الفائدة القصيرة والطويلة الأمد، يذكر التقرير أنّه من المرجّح القيام بتضييق السياسة النقدية بشكلٍ أكبر في بعض البلدان التي شملتها الدراسة. فالاقتصادات الناشئة على غرار الصين وتركيا وبعض بلدان أميركا اللاتينية، إنّما تعتبر عرضةً بشكلٍ خاصٍ لمعدلات التضخّم العالية بالنظر إلى ارتفاع الأسعار.

وقد أعرب المستجيبون إلى الدراسة من البرازيل عن قلقهم إزاء إمكانية أن تؤدي عملتهم القوية إلى خسارة القدرة التنافسية أو إلى عملية تراجع التصنيع. وبشكلٍ عامٍ، من المتوقّع أن ترتفع أسعار المستهلك عالمياً بنسبة 3.8بالمئة على مدى العام الجاري، متجاوزةً التوقّعات لبداية العام 2011 والتي بلغت 3.4بالمئة.

بالإضافة إلى ذلك، صرّح السيّد "جيرنو نيرب"، وهو مدير معهد إيفو الألماني للدراسات والاستقصاءات حول الأعمال التجارية، قائلاً: "لا يزال تحسّن الاقتصاد العالمي الملحوظ مستمراً، ومع ذلك، يجب التنبّه إلى المخاطر وأخذها بعين الاعتبار". وأضاف: "زادت المخاطر الهبوطية للتنمية الإيجابية في خلال الأشهر الماضية. ففي حال لم تتحقق هذه المخاطر الهبوطية ، قد يتحوّل ذلك إلى مسارٍ مستدامٍ للاقتصاد العالمي".

ومن بين المخاطر التي قد تعيق الاقتصاد العالمي في الأشهر الستة المقبلة، لتدفع به إلى خارج مسار الانتعاش، أتى تقرير غرفة التجارة الدولية ومعهد إيفو الألماني على ذكر حركات رؤوس الأموال الدولية المفرطة والصدمات المحتملة التي قد تطال أسعار النفط والناجمة عن التوترات على صعيد العرض.

إلى جانب ما سبق، من المتوقّع أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي معدّل 3.2بالمئة في العام 2011، أي بارتفاعٍ طفيفٍ عن مستوى العام الماضي. إليه، يشير الخبراء في هذا السياق إلى محرّكات النمو الأساسية كالصين والهند وبعض بلدان أميركا اللاتينية على غرار البيرو والأرجنتين.

وفي أميركا الشمالية، تسبب التفاؤل الضعيف للأشهر الستة المقبلة، بتباطؤ المناخ الاقتصادي الإجمالي بشكلٍ طفيفٍ. ومع ذلك، لا تزال المؤشرات أعلى من متوسطها على المدى الطويل، في حين يتوقّع الخبراء قفزةً قويةً في مجال العمالة في الولايات المتحدة الأميركية، علماً أنّه قد تمّ تصحيح الخلل الواضح بين نمو الإنتاجية والتوظيف الممانع.

وفي آسيا، وعلى الرغم من أنّ المناخ الاقتصادي لا يزال أعلى من المعدّل المتوسّط، تظهر الدراسة تدهوراً على صعيد الحالة الاقتصادية والتوقّعات الخاصة بالأشهر الستة المقبلة على حدٍّ سواء. ففي حين تعتبر الصورة مواتية بشكلٍ خاصٍ في هونغ كونغ والهند وأندونيسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، يشعر العلماء الاقتصاديون اليابانيون بالتشاؤم بسبب التسونامي والهزة الأرضية اللذين ضربا بلدهم كما وبسبب الكارثة النووية الناجمة عنهما.

أما في الصين، فقد أظهر الخبراء بعض الحذر من التنمية الاقتصادية المستقبلية؛ فهم يتوقّعون تضاؤل النفقات الرأسمالية والنمو في الاستهلاك الخاص والصادرات على مدى الأشهر الستة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ معظم الخبراء يتوقّعون انخفاض الفائض التجاري في حين يتوقّع واحد على عشرة منهم عجزاً تجارياً.
ولكن، يقولون إنّ مشكلة الصين الاقتصادية الرئيسة تكمن في التضخّم كما هي الحال في أغلبية البلدان الآسيوية.


ودفعت التوقّعات الإيجابية في أوروبا قدماً بالمعدلات الاقتصادية الإجمالية العالمية وعزّزتها. ففي أوروبا الغربية، ومع الأزمة العالقة في منطقة اليورو، ضعفت التوقّعات للأشهر الستة المقبلة ولكن بقيت إيجابية. ولا بدّ من التنوية بأنّ الوضع يتفاوت بشكلٍ كبير ضمن منطقة اليورو حيث أنّ ألمانيا والنمسا وفنلندا من جهة تشهد حالةً اقتصاديةً جيدةً بشكلٍ خاصٍ، والبرتغال وإيرلندا واليونان وإسبانيا تكافح وتناضل من جهةٍ أخرى. أما في أوروبا الشرقية، فتظهر بعض المؤشرات التي تنبؤ بأنّ الانتعاش الاقتصادي قد يكتسب زخماً في خلال العام 2011.

وبالانتقال إلى بلدان أخرى، أستراليا تفوق نيو زيلندا، في حين يبدو المناخ الاقتصادي معتدلاً في بلدان اتحاد الدول المستقلّة وتُلاحظ تحسينات ملفتة في كلٍ من إسرائيل والكويت والمملكة العربية السعودية. في المقابل، أدّت الثورات والانتفاضات في العالم العربي إلى خللٍ على صعيد الاقتصاد والعمالة، ومع ذلك، تعتبر التوقّعات متفائلة. وأخيراً، يغيب عن أفريقيا أي اتجاه اقتصادي واضح.

وفي حين يعتبر تقدير قيمة الين مبالغٌ فيه ، يرى الخبراء الاقتصاديون أصحاب التقرير المذكور أن الدولار الأميركي والجنيه البريطاني واليورو عملات تحظى بالتقييم المناسب.

ولدى طرح السؤال المحدد التالي: "أيتوجّب على مجتمع الأعمال أن يحثّ منتدى مجموعة العشرين لتقليص الاختلالات الاقتصادية العالمية وتعزيز التقارب التنظيمي ومحاربة الفساد، من أجل تشجيع نمو اقتصادي أكبر؟"، أتت إجابة ثلثي العلماء الاقتصاديين الذين بلغ عددهم 1107 عالم إيجابيةً.

في الواقع، يدعم حوالى ثلثي العلماء الاقتصاديين في أميركا الشمالية والذين شملتهم الدراسة اظطلاع مجموعة العشرين بدورٍ أقوى في معالجة الاختلالات الاقتصادية العالمية، رقمٌ يساوي ما لا يقلّ عن 75% في المناطق الأخرى كلها. إليه، وافقت نسبة 90% من المستجيبين عالمياً على تشجيع تعزيز التقارب التنظيمي.

في النهاية، أعرب علماء اقتصاديون في أفريقيا والشرق الأدنى وأميركا اللاتينية عن دعمهم الصلب لمجموعة العشرين للتعامل مع القطاع الخاص في سبيل تعزيز جهود الشركات الآيلة إلى مكافحة الفساد.