المناظرة الأولى: رومني يضبط الإيقاع.. وأوباما يختار الدفاع

كأنها صحوة حملة «الرجل المريض». تغلب المرشح الجمهوري ميت رومني على كل التوقعات وسيطر على النقاش في مسرح جامعة دنفر في ولاية كولورادو في وقت اكتفى الرئيس باراك اوباما بوضعيته الدفاعية كأنه ملاكم يستوعب الضربات حتى انتهاء جولة الملاكمة.
كانت المناظرة الرئاسية الأولى ليلة رومني بدون أي شك، فرض إيقاع المناظرة وحتى حدد مواضيع النقاش. كان حادا وحماسيا في انتقاداته لكنه كان هادئا في هجومه، إذ أوصل رسائله الواحدة تلو الأخرى عن الاقتصاد وفرص العمل والرعاية الصحية والدين العام الفدرالي. 
على عكس اوباما الذي كان مرتبكا منذ اللحظة الأولى، وكأنه اكتشف فجأة على المسرح ان الإفراط بالثقة الذي حمله الى المناظرة لا يكفي لمقارعة مرشح يأتي متسلحا بكل الأوراق لأنه ليس لديه شيء يخسره. كان لأوباما وقت أكثر في عدّاد المناظرة، لكن عدد كلماته كان أقل، ما عكس تردده في طرح وجهة نظره بحيث أخذ وقته في إيصال الأفكار. حاول ان يظهر رئاسياً لكنه دفع ثمن هذا الأمر خلال المناظرة، خاصة أنه لم يبد رئيساً فخورا بإنجازات ولايته. 
رومني كان ينظر مباشرة الى منافسه خلال توجيه الانتقادات بينما اوباما ينظر الى الأسفل ويدوّن ملاحظاته. وعندما يتحدث اوباما يكتفي بالنظر الى مدير المناظرة الإعلامي جيم ليهرير كأنه يتذكر كلام مستشاريه بأنه متقدم في استطلاعات الرأي، ولا ضرورة ليتفاعل مع استدراج رومني الى فخ مواجهة يبحث عنها.
رومني كان ينظر مباشرة إلى منافسه خلال توجيه الانتقادات فيما أوباما ينظر إلى الأسفل ويدوّن ملاحظات، وعندما يتحدث أوباما يكتفي بالنظر إلى مدير المناظرة الإعلامي جيم ليهرير كأنه يتذكر كلام مستشاريه بأنه متقدم في استطلاعات الرأي ولا ضرورة ليتفاعل مع استدراج رومني إلى فخ مواجهة يبحث عنها. أجوبة أوباما كانت مطوّلة وغير متماسكة ولأول مرة بعد أربع سنوات في «المكتب البيضاوي» توجه إليه شخص بهذه اللهجة الحادة وبالتالي لم يكن مستعداً لأي رد بالحيوية التي خاض فيها معركته ضد إرث جورج بوش عام 2008. لم يذكر أوباما كلام رومني المسرب عن «47 في المئة» من الأميركيين يعتبرون أنفسهم «ضحايا»، ولم يتحدَّ سجل رومني المثير للجدل أو يلمح إلى أخطاء جورج بوش أو يتهجم على المحافظين كأن أوباما فرض رقابة على ذاته، على عكس حملته التي تدير معركة شرسة على رومني منذ أشهر.
مدير المناظرة انسحب من النقاش وترك كلاً من اوباما ورومني يحددان حدود الدفاع والهجوم، وكان هذا الأمر جيداً ليفهم المشاهد تكتيك كل مرشح على المسرح. لكن ليهرير لم يطرح الأسئلة الصعبة على المرشحين بل تركهما يتساجلان على مزاجيهما. 
التحدي أمام رومني الآن ان يجعل من أدائه الايجابي تحولا في دينامية السباق الرئاسي ويترجم شخصيته في هذه المناظرة الى المهرجانات الانتخابية والمقابلات التلفزيونية التي يجريها، وألا تكون المناظرة استثناء في مسار حملته المتعثرة التي شهدت صعودا وهبوطا في المرحلة الأخيرة، على عكس حملة اوباما المتماسكة التي كانت تسير على خطى ثابتة حتى لحظة إجراء المناظرة.
وبالتالي فإن على حملة اوباما ايجاد مواد انتخابية جديدة في الأسابيع المقبلة لتغيير الشعور العام بأن رومني كسب الجولة الأولى، بانتظار المناظرة الثانية في 16 تشرين الأول الحالي حيث يأمل الليبراليون في أن يأتي اوباما أكثر استعداداً، ويظهر كمرشح يحارب من اجل الفوز وليس تمرير الوقت. 
الأداء لرومني كان الأفضل منذ عقود لأي مرشح جمهوري خلال مناظرة رئاسية. كان الحزب الجمهوري على طريق التخبط حيث حتى المحافظون يشككون بقيادة رومني علنا، لكن الآن تغير كل شيء، وأصبح هناك اقتناع جمهوري بأنه يمكن لرومني المنافسة وربما الفوز. 
حسابياً حتى الساعة، لا تزال الخريطة الانتخابية لمصلحة اوباما، لا سيما في الولايات التسع المحورية. وستكون امرا مثيرا للاهتمام متابعة تأثير المناظرة على ولايات مثل فيرجينيا أو فلوريدا، حيث هناك تقدم بنقطة واحدة فقط لأوباما. 
الهجوم الجدي النادر لأوباما خلال المناظرة كان حين قال إنه «لمدة 18 شهرا كان (رومني) يدير حملة على أساس هذه الخطة الضريبية، وخمسة أسابيع قبل الانتخابات يقول عن هذه الفكرة الجريئة لا بأس»، مشيراً الى ان رومني لم يقف ضد المحافظين خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري. 
اللافت خلال المناظرة ان التفاصيل المتعلقة بالوقائع والمعلومات لم تكن القضية، ما يهم هو التفاصيل البصرية، أي من كان واثقا بنفسه، ومن هيمن على النقاش ومن حسم الفوز في المناظرة. 
وبعدما تحدث اوباما عن الذكرى العشرين لزواجه مع ميشيل في بداية المناظرة، خطف منه رومني هذه اللحظة بذكاء وهنأه مازحا «أنا متأكد من ان هذا كان المكان الأكثر رومانسية الذي يمكنك تخيله، هنا معي». في مكان آخر قال رومني «سيدي الرئيس، يحق لك في منزلك الخاص وطائرتك الخاصة، لكن ليس وقائعك الخاصة». ورد على انتقادات اوباما له بالقول: «انظر، لدي خمسة صبيان. أنا معتاد على أناس يقولون أشياء ليست صحيحة دائما، لكنهم يحافظون على تكرارها على أمل ان أصدقها في نهاية المطاف»، وانتقد في مكان آخر طرح اوباما الاقتصادي قائلاً «لقد كنت في التجارة 25 عاما. ليس لدي فكرة عما تتحدث عنه. ربما أحتاج الى محاسب جديد». كان رومني شغوفا في طرح أفكاره وبرامجه، والاهم من ذلك حس الدعابة لديه على المسرح لم يكن غريبا كالعادة بل أظهر جانبا ايجابيا من شخصيته.
ولم يكن هناك خطأ كبير من قبل أي من الطرفين قد يكلف انتخابات او يحسمها بل حتى كانت مناظرة مملة الى حد ما على عكس مناظرات أخرى في التاريخ الأميركي الحديث. لكن حين طلب مدير المناظرة كلمة ختامية من كلا المرشحين، ظهر في هذه اللحظة مدى ضعف اوباما الذي لم يتحدث حتى عن إنجاز إنقاذ قطاع السيارات أو دافع بفخر عن إقرار قانون الرعاية الصحية بل أقر بشكل غير مباشر بقصور ولايته قائلا «قبل أربع سنوات قلت أنا لست رجلا مثاليا ولن أكون رئيسا مثاليا. وعلى الأرجح هذا الوعد الذي يعتقد الحاكم رومني أنني حافظت عليه. لكنني وعدت أيضا بأن أقاتل كل يوم نيابة عن الشعب الأميركي والطبقة المتوسطة». 
اوباما رد على رومني بعد ساعات من المناظرة خلال مهرجان انتخابي، كأنه تذكر متأخرا الردود التي كان يحب ان يقولها لمنافسه الجمهوري، حيث اعتبر ان رومني خلال المناظرة ليس «رومني الحقيقي»، وانه تراجع عن البرنامج الذي كان يطرحه على مدى عام لأنه يعرف انه ليس شعبياً. وختم قائلا «إذا أردت ان تكون رئيسا فأنت تدين بالحقيقة للشعب الاميركي». 
يبدو ان حملة اوباما تدرك خيبة الامل من اداء اوباما، وعلى الارجح ستعيد دوزنة استراتيجيتها بناء على تداعيات المناظرة الاولى. كأن اوباما استخف برومني بعد أشهر من متابعة حملته الانتخابية المتعثرة. حتى الاعلام الاميركي كانت له توقعات متواضعة لاداء المرشح الجمهوري، لكن الاستغراب العام بعد المناظرة هو أين كان هذا الجانب من شخصية رومني، ولماذا تأخر في الظهور؟