المهنة: مدرس أم تاجر شنطة؟؟!

شام نيوز - وجيه موسى :

كانت الدروس الخصوصية سابقا تقتصر على طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية ، وكانت محصورة ببعض المواد كالرياضيات والفيزياء ، أو اللغة العربية والأجنبية، وكنا نسمع بدرس خاص في البيانو أو في الكمان ، أو على بعض الآلات الموسيقية ، أما هذه الأيام  فلقد انتشرت الدروس الخصوصية كانتشار النار في الهشيم ، وفي كل المراحل من التعليم الأساسي حتى أعلى مراحل التعليم، وفرضت حياة اجتماعية جديدة على الأسرة فالمدرس أثناء مواسم الامتحانات لا يعود إلى بيته إلا في ساعات الفجر الأولى مما اضطر الأهالي  للسهر إلى هذا الوقت حتى يفرغ ابنهم من درسه الخاص ، كما أصبحت مجالا للمباهاة بين الأهالي تعبر عن "البرستيج" الخاص بهم  من حيث المدّرس و سعر ساعته .
 كما أظهرت عدم ثقة الأهل في اعتمادهم على المدرسة فقط  لاقتناعهم بعدم كفايتها لوصول أبنائهم إلى الكليات المرموقة في الجامعات . فدخلت الدروس الخصوصية سوق  البورصة ،وأصبح لها تسميات وميزات ، فهناك  الدروس الاسعافية ،وهناك دروس التقوية ،و هناك دروس من اجل  حصد العلامات في الامتحان النهائي ،وهذه من اختصاص أساتذة مشهورين يشاركون في وضع الأسئلة النهائية في امتحان الشهادتين الإعدادية والثانوية حسب ما هو متداول بين الطلبة والأهالي ، حيث يصل سعر الساعة الواحدة قبيل الامتحان إلى عشرة ألاف ليرة ، وهؤلاء الأساتذة لا وقت لديهم، وهم يشتكون حالة الإرهاق ، والتعب الناجمة عن ضغط العمل لأنهم يباشرون دروسهم الخاصة فور انتهاء الدوام الرسمي للمدارس إلى ساعات متأخرة من الليل ، وخاصة في مواسم الامتحانات .
فما الذي حدث للتعليم في بلدنا ..؟
وهل تحولت المدارس إلى مراكز ترفيهية وأصبح المدّرس تاجر" نشطة"..؟

 حيث يتوقف سعر الدرس الخاص على العديد من العوامل  منها كاريزما المدّرس نفسه وموقعه كمدّرس أول للمادة أو موجها تربويا وعبقريته الغير مسبوقة  في إيصال الطالب وأهله إلى حالة رعب من الامتحان عبر الأسئلة التعجيزية التي توصل الطالب إلى حتمية اتخاذ القرار  ،والالتحاق بطابور الزبائن عند هذا المدّرس قبل فوات الأوان ..
ناهيك عن التقصير في أداء الواجب التدّريسي خلال ساعات الدوام الرسمي ليجبروا الطلبة وأوليائهم على اللجوء إلى هذه الدروس.

يقول أحد طلاب الشهادة الثانوية :"بصراحة ودون مواربة أنا أذهب إلى المدرسة لتسجيل الحضور فقط فالصفوف في مدارسنا مزدحمة بالطلبة ولا نفهم شيئاً أثناء الشرح وهي تحولت إلى مكان للاجتماعات والتسلية... وللأسف هناك أيضاً بعض المدرسين لا يقومون بأداء واجبهم بضمير أثناء الحصص الدّرسية ،ولأسباب نجهلها ما ولدّ لدينا إحساساً بعدم الثقة بما يقدمونه لنا وهذا ما حدا بنا التوجه بقوة نحو البديل (الدرس الخصوصي) الذي بات يفضله معظم الطلاب خاصة وأن الطالب حينها يكون بمفرده ويستطيع أن يحصل على المعلومة التي يريد ودون تشويش من أحد."
ويقول والد احد طلاب الثانوية العامة  :
"إن الدروس الخصوصية استنزاف واضح للأهل ماديا ولكننا لا نستطيع فعل شيء إزاء ذلك ،وليس أمامنا سوى تلبية رغبة الأبناء فهي بالنسبة لهم السبيل لتحصيل درجات أكثر ففي أحيان كثيرة قد يضيع مستقبل الطالب على علامة واحدة خاصة إذا  كان يحلم بكلية جيده ، حيث تزداد معدلات القبول فيها عاماً بعد عام ،هي حقاً وباء متفش ،والمستفيد منه المدّرسون الذين يستغلون الفرصة ،ويبالغون في أسعار تجارتهم في موسمها.فعلى سبيل المثال أجر ساعة مادة الرياضيات يصل إلى ألف ليرة... ولكن ما باليد حيلة علينا أن ندفع لنريح ضمائرنا ونرضي أبناءنا."
ولعل  الحالة المعاشية لدى جمهور المعلمين والمدّرسين لم تعد تتناسب لسد حوائجهم العائلية في ظل حالة التضخم الاقتصادي وقلة رواتبهم الشهرية حيث يجدوا أنفسهم (مضطرون) للإعلان عن استعدادهم، لتدريس الطلبة (دروس خصوصية) من أجل تحسين أوضاعهم  .‏

يقول احد أساتذة مادة الرياضيات :
"إن مبدأ الدروس الخصوصية ظاهرة لن تلغى بل ستستمر طالما وجدت الإغراءات المادية التي يصعب مقاومتها لدى الكثيرين، و تفشي هذه الظاهرة لأسباب كثيرة منها يعود إلى ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية حيث لم يعد يكفي الراتب الواحد ما يضطر المعلم إلى اللجوء لإعطاء دروس خصوصية بعد انتهاء الدوام الرسمي، ودون التقصير في أداء واجبه بالمدارس الحكومية ، وان ازدحام الصفوف الذي لا يساعد على إيصال المعلومة بالشكل المطلوب بالإضافة إلى غياب التنسيق بين الأهل والمدرسة في كثير من الأمور التي تهم الطالب، فمعظم الطلاب لا يتمتعون بالجدية.

والاستهتار الصفة الغالبة على ممارساتهم ،أما في وقت الدرس الخصوصي فالطالب مختلف تماماً يتمتع بالجدية والمتابعة والتصميم ،وهذا بالتأكيد يعود للمراقبة من قبل الأهل والمدرس على السواء."
ويقول مدّرس أخر :
"إن  طبيعة النظام التدريسي في المرحلة ما قبل الجامعية ،حيث لا تراعي أثناء عملية توزيع المناهج جانب التوقيت، فتأتي المناهج كبيرة وطويلة ويستحيل إنهاؤها بالصورة الملائمة والمثلى في حصص الدوام الرسمي، مما يضطر المدّرس إلى الإسراع في إنهاء تلك المناهج على حساب فهم الطالب ومدى استيعابه، الأمر الذي يستوجب ظاهرة الدروس الخصوصية."

 

وتقول إحدى الأمهات العاملات:
"إن الطبيعة الاستهلاكية المتصاعدة للمجتمع، حيث ينشغل الأب والأم في تأمين احتياجات الحياة المتزايدة، فيسلّموا موضوع رعاية أبنائهم من الناحية الدراسية لمدرسين متخصصين يحصلون على جزاء تعبهم بصورة مجزية مادياً، مما يسمح للوالدين بمتابعة مستوى أبنائهم الدراسي، دون أن يضطروا هم شخصياً تولي تلك المسؤولية ."
والسؤال  هنا هل أصبحت الدروس الخصوصية ظاهرة اجتماعية يصعب الخلاص منها ..؟
 و هل أصبحت لازمة لنجاح الطالب وتفوقه وضمان حصوله على الاختصاص المطلوب بعد نهاية المرحلة الثانوية مع الارتفاع الجنوني للمعدلات الجامعية ، أو حتى دخول التعليم العام  والهروب من التعليم المهني الذي لم يثبت  أي وجود على الساحة التعليمية...؟
نقول ببساطة إذا استطعنا العودة بالمدرسة لدورها الحقيقي كمنظومة للتعلم بكل تفصيلاته ومحاوره ،و صححنا السلوك الاجتماعي ،و غيرنا  أساليب الامتحانات وأهدافها، و آلية الالتحاق بالجامعة ليكون هناك معايير أخري إلي جانب المجموع ضمن شروط الالتحاق بالكليات وأوجدنا الكادر التدريسي والإداري الجيد والبنية التحتية الملائمة هل نحد من هذه الظاهرة...؟
أمنيات وأسئلة كثيرة تبحث عن إجابة هي برسم وزارة التربية والتعليم وكل المهتمين فمجرد  إمكانية طرحها يدل على وجود مشكلة كبيرة في عملية التعليم في بلدنا .