المواطن والموقف هـدف العقـوبات

 
سؤال أطرحه لمن يريد التفكر: ترى لو غيّرت سورية مواقفها السياسية ولبت المطالب الأمريكية والإسرائيلية وبعض العربية، فهل ستستمر التظاهرات وطرائق تعاطي المحطات الفضائية ؟!

أردت من هذا السؤال المفتاحي أن أقول إن الشعب السوري ليس جائعاً ولا مكبوتاً كما أن نظامه لم يفقد شرعيته، وهذه الأسباب -حسب رأيي– هي محرك الثورات ومبررات التظاهر، وحسب اعتقادي إن القضية برمتها سياسية لها علاقة بمواقف سورية تجاه قضايا ساخنة بالنسبة للعالم ومصيرية ومبدئية بالنسبة لها .

وهنا -كي لا أُفهم كما يريدون– لا أنكر وجود فساد أو أتنكر للمطالب المحقة أو أُبرئ بعض من هم في مواقع القرار من البطء والتردد وربما تعطيل الإصلاح متعمدين.

بيد أنني أردت أن أدعو للتفكير بجدوى العقوبات المفروضة على سورية والتي يمكن أن تفرض، ومن يدفع ثمنها حتى لو جاءت بقوالب وسيناريوهات مضللة كتلك التي وقع عليها الرئيس أوباما أخيراً والتي طالت من خلال باطل يراد منه تضليل "مسؤولين وكيانات إدارية في النظام السوري".

في لفتة بسيطة إلى الماضي القريب نتذكر بداية العقوبات نتيجة الموقف السوري من احتلال العراق وذريعة تحويل الأموال العراقية التي تراكمت في سورية نتيجة سوء استخدام "النفط مقابل الغذاء" إلى صندوق التنمية العراقية وصدور ما يسمى وقتذاك قانون "باتريوت اكت".

ونتابع في ذكرياتنا مع الولايات المتحدة التي تشبه أكل السفرجل، أي كل ذكرى بغصة، من تجديد العقوبات الاقتصادية في عهد الرئيس بوش الابن بتهمة إيواء أو دعم منظمات فلسطينية وصولاً لتجديد العقوبات المفاجئ لسنة جديدة في عهد الرئيس أوباما بحجة نقل صواريخ سكود من سورية إلى حزب الله اللبناني بُعيد رفض سورية المشاركة فيما يسمى بلجنة المتابعة العربية لمبادرة السلام التي عقدت اجتماعاً طارئاً بمقر الجامعة في القاهرة، بطلب أمريكي وموافقة فلسطينية، لإعطاء الضوء الأخضر لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

ورغم هرولة الموقف المصري حينذاك إلا أن أمين عام الجامعة العربية عمر موسى أكد وقتها "أن سياسة العقوبات التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه سورية لن تؤدي إلى شيء، وأن الانفتاح على سورية أهم بكثير من العقوبات" وأبدت الجامعة على لسان نائب الأمين العام أحمد بن حلى استغرابها من القرار الأميركي "هذا القرار لا يعكس ما كان منتظراً من هذه الإدارة عقب الاتصالات الدبلوماسية التي نشطت بين سورية والولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة في واشنطن".

الآن ثمة ملامح ليعيد التاريخ نفسه، فأن تبدأ "اللعبة" بلجنة حقوق إنسان لتمتد إلى عقوبات على مسؤولين، فالأرجح أن تصل إلى عقوبات جديدة على سورية، أو -على أقل تقدير– تجديد العقوبات المفروضة لعام جديد.

السؤال هنا: إن كانت العقوبات الأمريكية اقتصادية في معظمها فما هي نسبة تأثر الاقتصاد والمواطن السوري رغم ما يشيعون من تحيدهما عن العقوبات؟!

في معنى آخر، عندما تعجز مؤسسة الطيران العربية السورية عن رفد أو تجديد أو حتى ترميم أسطولها فمن هو المتأذي من العقوبات، وعندما تلاحق الولايات المتحدة "الطيران السورية" عندما أرادت شراء طائرات "الإيرباص" الأوروبية بحجة أن لها نسبة عشرة في المئة من مكوناتها الصنعية ومنعت تنفيذ الصفقة بعد توقيعها مع الفرنسيين فمن دفع الثمن؟!.

وكذا عندما تريد أي مؤسسة تجديد خطوطها الإنتاجية أو شراء آلات أو حواسب جديدة، فتضطر إلى "لف السبع لفات" وشرائها بأسعار مضاعفة، فترى من يدفع الثمن؟!.

أما ما يمكن وصفه بباطل الأباطيل، أي موقف من تسمى مجازاً معارضة، والتي تشد على أيدي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض العقوبات فنسأل: ألستم يا "شباب" من يتذرع بسلب حقوق المواطن، أين الدليل على ما تبدونه من حرصكم على السوري وسورية، وهل تتحقق طموحاتكم ومطالبكم إن حوصرت سورية وجاع السوري؟!.

أقول ومن موقع شبه المتخصص وإن كنت ممن لا يقللون من أهمية وأثر العقوبات على الاقتصاد السوري: هنا الوضع مختلف بالمطلق عن مصر -مع فائق احترامي لأرض الكنانة وأهليها– وأيضاً عن لبنان وحتى السعودية، لأن الاقتصاد السوري اقتصاد حقيقي غير خدمي ومتعدد المصادر أيضاً، أي إن تأذت السياحة السورية فلن يخرّ الاقتصاد كما لدى بعض الأشقاء، وإن تعطل الاستخراج النفطي كذلك، ناهيكم عمّا لدى سورية من نقاط قوة في اقتصادها بعضها احتياطيها النقدي الذي يحصّن ليرتها ويعزز منعة اقتصادها.

خلاصة القول أمران اثنان، أولهما ألّا تتذرعوا بأشخاص وإدارات لمحاصرة سورية واقتصادها لأنكم تعلمون يقيناً أن الهدف والغاية إضعاف الموقف السوري السياسي المستمد بعض قوته من الاقتصاد وتفقير الشعب السوري ومحاصرته في لقمته.

أما الأمر الثاني فهو أن مساعيكم لن تنجح، وليس في ذلك تقليل من أثر العقوبات بقدر ما هي ثقة بالاقتصاد والعباد، فالعقوبات ستؤخر -على أقل تقدير- من مسيرة الإصلاح... ولعل هذا ما تسعون إليه ليكون لأعذاركم بعض منطق، لكن صدقوني وأنتم من جرّب وحاول مراراً، أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها

 

 


.البعث عدنان عبد الرزاق