الميلاد

وجدت هذا النص في أوراقي، لا أعرف لمن هو، ولا أعلم شيئاً عن مناسبة العودة هذه... سوى أن يكون النص بقلم أحد المنفيين.
وبعلم النفي، وتجاربه ستكون حصة العربي منه البقاء طويلاً في المنفى، الأمر الذي يجعل هذه الكلمات، لحظة قراءتها، ينبوعاً للأمل. لأنك وأنت تقرؤها لا تعرف كم من الوقت قد مضى على كتابتها، تماماً كاللافتات المكتوب عليها: مدة إنجاز هذا المشروع عشرون شهراً. مغفلاً تاريخ البداية. وهكذا تصبح نقطة البداية أي ساعة وأي يوم... من الزمن السائل!
وغموض المصير الذي يكتنف صاحب هذا النص... يؤهلنا لتحوير نوع الانتظار
على النحو التالي: «لماذا تتموّن لأربعة أيام، وأنت... ميت غداً؟» والفرق بين الجملتين هو المنظر الذي بات السوريون يكرهونه على نحو غير مسبوق، لفرط وجوده على الأكتاف، التي هي بدورها، أصبحت تكره هذا النوع الباهظ من حمولة الحياة... التوابيت!
قبل عشرين سنة كتبت، وكنت عائداً من سفر طويل: «انظر إلى السوريين بمحبة، دقق في عيونهم، وشفاههم، وسترى أنهم لا يبتسمون»، علماً أن الطفل، بعد الصفعة الأولى على قفاه عند الولادة... يضحك، كأهبل فرحاً، بأنه قد غادر الظلام الضيق للأرحام إلى الضياء المشرق للدنيا الواسعة!
المشكلة، أن الأسنان اللبنية لا تدوم، وتلك الأسنان الفتية يكسرها الكزّ عليها لتحمل الآلام، ويسوّسها نقص التغذية وتدخين السجائر الوطنية!
المشكلة ديمومة الصفعات، غير البريئة، التي تجعل الإنسان مكشراً لا مبتسماً!
ولكن يا للهناء: كان لدينا الصفعات!
أما اليوم فلدينا الكميات الوافرة من كل شيء يجعل الحياة أنشودة لحدٍ حزينة بدلاً من أنشودة مهد.
لدينا الدم، وعلى العتبة العليا لميلاد السيد المسيح، في الصعود إلى معانيها، ينكسر، هذه السنة، شيء ما فينا، فنرى شكل النبيذ، الذي أنتجته كروم أريحا وبيت لحم منذ آلاف السنين... نراه شكل دم مهدور!
يسقط، الليلة، الكأس من أيد كثيرة، في مساء مفعم برائحة الأساطير، وينكسر شيء ما في روح الإنسان السوري... هذا الذي لا يبتسم كثيراً، والذي كان ودوداً، فيما مضى... وبسيطاً!
هل كان؟!
دقّ، إذاً، مسماراً في الحائط. لتعلق عليه قميصك الدامي! وتموّن ليوم واحد...