الناشرون يستغيثون والمنظمون (يطنشون)

ثمة معادلة خاطئة انطلق منها منظمو معرض دمشق الدولي للكتاب، وهي معاملته على قدم المساواة مع معارض (اللانجوري) أو مواد البناء، أو الألبسة الجاهزة، التي تقام على أرض مدينة المعارض عند الجسر الرابع في طريق مطار دمشق.
الفكرة السطحية التي ينطلق منها هذا المبدأ أن المعرض هو نشاط اقتصادي بحت فيه سلعة مادية هي الكتاب يجري بيعها لجمهور مهتم بهذا النوع من السلع..
أما الفكرة الأعمق والتي تتعلق بطبيعة هذه السلعة وبخصوصيتها الثقافية والفكرية، فهي طلسم غير مفهوم لدى القائمين على الأمر.. ولنفصل أكثر في الحديث:
ثمة أسئلة أساسية في هذا النقاش، من هو جمهور معرض الكتاب؟ وما هو مستوى دخله؟ وكم هي نسبة من يمتلكون السيارات من أفراد هذا الجمهور؟؟ وكم هي نسبة الذي يتحملون عبء الركوب في باصات النقل المخصصة لنقل الركاب من مركز المدينة المتجهة إلى مكان المعرض؟
هل قام المنظمون للمعرض بدراسة سبروا فيها آراء هذا الجمهور وقرروا أن المكان الأمثل للمعرض هو مدينة المعارض على طريق المطار؟
ما يدعونا لطرح هذه التساؤلات هو تكرار أصحاب دور النشر الذين التقيناهم في المعرض الحالي للشكوى من قلة البيع، والذي لن يكفي لتسديد إيجار الجناح المرتفع أصلاً.. وحسب هؤلاء فإنهم اعترضوا على نقل المعرض أكثر من مرة، وان نسبة البيع انخفضت بشكل ملحوظ عن النسبة التي كانت عليها حين كان المعرض في حديقة مكتبة الأسد الوطنية.
قبل سنوات كان معرض الكتاب في دمشق يعد واحداً من أنجح المعارض العربية، بسبب الإقبال على شراء الكتب، أما الآن ومنذ تم نقل مكان المعرض فقد انقلبت الصورة رأساً على عقب فما المشكلة إذن؟ هل هي عزوف القراء السوريين عن الشراء؟ أم أن المشكلة إجرائية، ولابد من معالجتها وفق منطق منفتح على الحلول الكفيلة بتطويق الأزمة؟
والآن نستطيع أن نقول بكل جرأة بعد هذه السنوات من نقل مكان المعرض بأنه إجراء لم يكن لصالح صناعة الكتاب السوري على أقل تقدير، وليس في مصلحة القارئ السوري إذا أردنا توسيع الدائرة.
الأسباب كما تبدو لنا هي أن جمهور الكتاب ليس جمهوراً نوعياً متجانساً ضمن مجموعة من الخصائص المحددة كما هو الحال بالنسبة لتجار أو مصنعي اللانجوري ومواد البناء، والذين يذهبون إلى المعرض حتى لو كان في أقصى المعمورة.
ثم إن جمهور الكتاب في غالبيته من أصحاب الدخل المحدود من طلاب جامعيين وبعض المثقفين، والمهتمين بقضية من القضايا السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، ولا يشكل الكتاب هاجساً حياتياً لهم يدفعهم إلى تنكب عناء ركوب باصات النقل الداخلي المخصصة للمعرض، فهذا العبء يتحمله القليلون من أفراد هذا الجمهور، ويعرض عنه الكثيرون. ولذلك فإن خيار مدينة المعارض أفقد معرض الكتاب غالبية جمهوره، وبالتالي حركة البيع، وبالتالي زيادة العناوين في الموسم القادم، وبالتالي جرأة دور النشر على طرح الجديد والمفيد للقارئ، إذن هي حركة دائرية ذات حلقات متصلة لا يمكن الفصل بينها.
ثمة حلول مطروحة للنقاش العام بعد فشل خيار النقل على مدينة المعارض، منها مثلاً العودة إلى حديقة مكتبة الأسد أو التوجه إلى حديقة تشرين، أو مدينة المعارض القديمة، أو ملعب الجلاء كما حصل مع معرض ربيع الكتاب الذي أقامه اتحاد الناشرين.. الحلول الممكنة كثيرة إن أراد القائمون على المعرض تحسس مشاكل أصحاب دور النشر واستمعوا لشكاواهم، أليس الهدف في النهاية هو إرضاء الجمهور وأصحاب دور النشر والحصول على ضريبة الأجنحة؟ أم أن الموضوع يتعلق بالفقرة الثالثة فقط، إن كان الأمر كذلك فبعد سنوات لن يكون هناك ناشرون يدفعون أجور هذه الأجنحة أصلاً..
تيسير أحمد- شام نيوز