الوزراء ينزلون إلى الأرض بعيداً عن أعين المحافظين

في خطوة وصفها الشارع السوري بالمبشرة، بدأ البعض من أعضاء الفريق الحكومي (الاقتصاد والتجارة ـ الكهرباء ـ الري ـ الزراعة) بنفض غبار الروتين الرسمي والشكليات المعقدة عن عباءة الأداء الوظيفي اليومي (الميداني أولاً و المكتبي ثانياً)، من خلال تعميم ثقافة الجولات الاطلاعية البحتة إلى أبعد نقطة وأصغر تجمع عمراني، وقطف ثمارهما شعبياً ورسمياً معاً، بعيداً عن الصفة البروتوكولية التي كانت تفرض نفسها ومنذ عقود مضت ضيفاً ثقيل الظل على تلك الزيارات، التي غالباً ما كانت حصة الأسد منها مخصصة لمراسم الاستقبال والوداع وعبارات التأهيل والتسهيل والأحداث الجانبية والتقاط الصور الفوتوغرافية والمتحركة، وإطلاق التصريحات الصحافية التي قوامها الكلام المعسول والوعود البراقة.
فبعد الجولات التفقدية الفعلية لكل من د. محمد نضال الشعار وزير الاقتصاد والتجارة والمهندس عماد خميس وزير الكهرباء ود. رياض حجاب وزير الزراعة، جاء د. جورج صومي بجولته على محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص التي خلت من زيارة - مجرد زيارة – مبنى أي من المحافظين الثلاثة، واقتصارها على مديريات الموارد المائية، ليكرس فكرة (ليس بالزيارات المكتبية فقط تتحقق الغايات والأهداف المرجوة).
وفي هذا السياق، أكد المهندس عماد حسن أن الاعتقاد الخاطئ لدى الشريحة الواسعة جداً من الوزراء والمحافظين والمديرين العامين القائم على معالجة كافة القضايا العالقة وحل جميع الملفات الشائكة من خلال تقارير تتبع الأداء الواردة إلى صناديق بريدهم عبر المديريات والمؤسسات التابعة لهم، وتقارير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وبعض الشكاوي والأصوات التي غالباً ما كانت تضل طريقها إلى طاولاتهم ومسامعهم – نتيجة تشبثهم القوي بالكرسي – ساهم وبشكل كبير في تكرار ارتكاب الأخطاء وتراكمها، وتعدد أشكالها وتنوع أسبابها، بالشكل الذي بات معه من الصعوبة بمكان وأد هذه الظاهرة من جذورها.
وأضاف حسن: عندما يخصص أي وزير أو محافظ أو مدير عام، جل وقته للاستماع (فقط) إلى أوضاع وأحوال وخط سير هذه المديرية أو تلك المؤسسة أو الشركة أو المشروع المزمع أو الذي يتم تنفيذه على أرض الواقع من المدير المختص، وعندما لا يعالج وبشكل يومي البريد (الصادر ـ الوارد) ويدعه يتراكم ليوقعه بعد ذلك على عجل، وعندما يكلف معاونه أو نائبه أو الشخص المسؤول لترؤس الاجتماعات الداخلية المرتبطة بعمل جهته وصلاحياته ومهامه بشكل مباشر ورئيس (تلك التي لا تحظى بحيز قصير جداً - دقائق أو حتى ثوان أو سنتيمترات ضمن نشرات الأخبار – مرور الكرام - وفي الصحف والمجلات) للإدلاء بدلوهم نيابة عنه، وعندما ترتبط زياراته الميدانية إلى مواقع العمل بقائمة الأعياد والمناسبات المدرجة ضمن التقويم السنوي، فمن الطبيعي جداً أن يكون الترهل والتخبط والتقصير الإداري عنوان هذه الجهة الحكومية أو تلك.
أما علاء رمضان (موظف)، فقد وصف هذا التحرك بالخطوة الأولى في مشوار الألف ميل باتجاه ردم الفجوة الواسعة جداً بين المسؤول والمواطن من جهة، وبين المسؤول وموظفيه من جهة أخرى، مشيراً إلى أن تواصل الوزير أو المحافظ أو المدير العام الدائم والفاعل مع الشارع المحلي، من شأنه خلق ثقافة جديدة عنوانها الثقة والاحترام المتبادل بين المسؤول والمواطن الذي طالما حلم بنيل شرف تخطي عتبة الباب العالي (مكتب المسؤول) والجلوس جنباً إلى جنب مع الوزير وطرح القضايا التي تهمه (على بساط أحمدي).
أما بالنسبة لعلاقة المسؤول مع موظفيه فقد تساءل رمضان: كم من موظف عام – باستثناء المديرين المركزيين ورؤساء اللجان والأقسام – لم يتمكن طيلة فترة تولي وزيره أو محافظه أو مديره العام من مشاهدة أولي أمرهم الوظيفي الذين يتقاسمون معاً البناء عينه، وإن كان هناك من صدفة - من غير ميعاد - فكم عددها، أوليس السواد الأعظم من الموظفين – على مختلف فئاتهم – يتعرفون على رؤسائهم في العمل ويتابعون نشاطاتهم وفعالياتهم من خلال شاشات التلفاز وصفحات الجرائد والمجلات...
في حين أوضح ماهر (سائق حكومي): جاء الوقت لكي يرمي كل وزير ومحافظ ومدير عام وكل مسؤول يمين الطلاق (بالتلاتة) على احتكار السفريات الخارجية، وتخصيص سيارات الصف الأول له، واستقبال طوابير الوفود الخاصة (أقارب ـ أصدقاء..)، في مكتبه ضمن أوقات العمل الرسمي، والمبادرة إلى رفع تقارير دورية إلى رئاسة مجلس الوزراء تتضمن عدد الاجتماعات التي تم عقدها والغاية منها، والزيارات الميدانية التي قام بها (إلى الجهات التابعة له أو إلى خارجها) والملاحظات التي قام بتسجيلها، والملفات التي تم معالجتها، أو تلك التي تحتاج إلى قرار من الجهات العليا، والساعات التي تم تخصيصها لاستقبال المراجعين - مواطناً أو موظفاً – والأسباب الموجبة لإيفاد هذا الموظف أو ذاك في مهمة رسمية خارجية، ومبررات أعمال الصيانة والترميم وشراء المعدات والتجهيزات المتزامنة مع نهاية السنة المالية، والعمل على نقل مقر الاجتماعات من مكتبه الخاص إلى القاعات الكبيرة بهدف تمكين أكبر عدد ممكن من الفنيين والمختصين من حضور هذه اللقاءات وضمان مشاركتهم الفاعلة والمؤثرة في المناقشات واتخاذ القرارات، وبالتالي التخلي عن نظرية الفريق أو الحاشية التي درج بعض المسؤولين على اختيارها ووضعها داخل عباءتهم.
الخبر