الوزير الجديد

 

لم يبدأ تاريخ الأردن منذ إعادة الوزارة الجديدة ، ولا يأتي الوزراء الجدد على وزارات مدمرة ، ولا يتعين عليهم أن يبدأوا على "الوزير" ، وليس من مهمات الوزير اللاحق إزالة آثار الوزير اللاحق ، والاجتهاد في تعقب كل ما له علاقة به ، ابتداء من لون ستائر المكتب وحتى تعيين أمين عام جديد للوزارة أو مستشار إعلامي جديد،.

في كل مرة تتغير الوزارة ، يتزلزل كيان الوزارة وتبدأ قلوب الموظفين بالخفقان ، مخافة "مؤاخذتهم" على ما يمكن أن يكونوا "اقترفوه ،"من علاقة ما بالوزير السابق ، ويبدأ "خفيفو الحركة" بنقل بنادقهم من كتف لكتف ، وتجهيز أنفسهم للتبرؤ من أي رابط "بالعهد البائد ،"على اعتبار أن الوزير السابق لم يكن يعرف شغله ، ولا مصلحة البلد ، بل إنه ربما كان يعمل ضد هذه المصلحة ، وعليه يجب مسح كل ما فعل حتى ولو كان جيدا ، والبدء من الصفر ، كي يضع الوزير الجديد "نـَفـَسَه ،"الطيب في العمل ، وإلا فسيكون هذا العمل بدون هذه "البصمة الروحية" فارغا وغير إبداعي وتافها ، وعادة ما يجد الوزير الجديد أعوانا ،

من طراز ما يصلح لكل زمان ومكان ، مهمتهم الأساسية في الحياة قول "نعم" و"عندي يا سيدي ،"وامتداح كل ما يفعله الوزير الجديد ، سواء كان حسنا أو قبيحا ، ليس مهما ، ولربما يقومون بدور شياطين الانس الذين يزينون للمرء المعاصي ، ويوهمونه أن تاريخ الوزارة والبلد بدأ به ، وأن كل ما سبق لم يكن غير مضيعة للوقت ، وتجب إزالته حتى لو كان مبدعا ونافعا للبلاد والعباد ، ولا يستبعد أن يدخلوا في روعه أن كل رجال "العهد البائد ،"يتآمرون عليه ويسعون لإفشاله ، ولهذا عليه أن يشطبهم بجرة قلم ، حتى دون أن يراهم أو يودعهم ، أو أن يقول لهم على الأقل: الله يعطيكم العافية ، فهؤلاء كانوا في خدمة الوطن ، ولم يكونوا فقط في خدمة الوزير السابق،،.

الوزارات الجديدة هي مجرد "مداميك" جديدة في أبنية قائمة ، والوزارات السابقة لم تكن "خرابات" ولا ناطحات سحاب أيضا ، بل إن الأمر يحتاج باستمرار لحقن العمل بدم جديد ، لتجديد شباب العمل ، وإبعاده عن التكلس والروتين ، و "كهربة" الجو بالابداع والايقاع السريع ، ولكن شريطه أن يكون البناء على ما تم بناؤه ، وبالاستفادة من جهد الجميع بما يكفل "تخمير" الخبرات وتفعيلها ، وتمكين الأجيال من التواصل وعدم إحداث انقطاع في توارث تقاليد العمل

الأصيلة ، بعيدا عن عقلية "الثأر ،"غير المبرر من "السابق" لأن اللاحق سيصبح بعد حين "سابقا" ولو طال الزمن.

لا ادري ما الآلية التي يتعين على رئيس الوزراء اتباعها كي لا ينزلق وزراؤه إلى هذا الخطأ ، لكن من المهم جدا أن يتم فحص القرارات الجديدة التي يتخذها الوزراء ، حتى لا تكون مسكونة بهاجس البدء على بياض ، والانتقام من عدو وهمي ، كل ذنبه أنه لم يعد موجودا،،،.

أثرت هذه القضية منذ سنوات ، وكنت أعتقد أن شيئا منه لا يمكن أن يتكرر ، ولكنه تكرر وبصورة أكثر شدة ، فمتى نتعامل مع وزاراتنا كمؤسسات وطنية ، وليس كمزارع خاصة؟ ولو قيض لنا أن نقيس مدى "خوف وتوجس" الموظفين من وزيرهم الجديد ، لعلمنا جيدا مغزى هذا الكلام،.

 

حلمي الاسمر - الدستور "الاردنية"