الوسطية وذهنية الاعتراف

 

 

 

 

عدنان عبد الرزاق - سيريا أوول

 

 

 

قد يكون في دعوة وزيري النفط و الكهرباء للاستقالة لمجرد قلة عرض مادتي الغاز والمازوت أو تقنين الكهرباء بمعزل عن الأسباب والمسببات والعقوبات، أمر فيه من الحدية المنهى عنها في التعاطي الوسطي .

كما قد يكون السكوت على أدائها لأنهما لم يعدّا العدة لزيادة الاستهلاك في الشتاء والتحوط من نتائج العقوبات المتصاعدة تباعاً.. فيه من التساهل لدرجة الحدية أيضاً .

بداية لنسأل: أيوجد أزمة "حوامل طاقة " من مازوت وغاز وكهرباء، أم أن ما يلف السوق السورية من شح في المواد ما هو إلا لعبة توزيع وأضاليل يروجها المهربون وصنّاع الأزمة لتكتمل دائرة الاستهداف الاقتصادي التي فضحها تلويح الأشقاء بالعقوبات بعد الإجراءات الأوروأمريكية...؟؟

قبل محاولات الإجابة أعتقد أن ذهنية التبرير الغالبة على أداء المسؤولين تقودنا لسؤال آخر: ترى، هل الزمن بضاعة كاسدة يمكن تأجليه وإلغاؤه كما يظن البعض، أم أنه يباع ويشرى في الأسواق السوداء، ولكن الضرائب على بيعه- إن بيع - قد تصل إلى أكثر من قدرة المبدد على الدفع؟؟

وكذا الطمأنة في غير مكانها المنطلقة من القفز على الواقع والحقائق، ضرائبها - إن جبيت – قد تعيد المطمئن لفظاً لا حقيقة، إلى ما وقع به الراعي مدعي وجود الذئب من اللامصداقية، كما علمونا صغاراً .

في المقابل، تهويل الأحداث أو تعظيم الأمور لها من المفاعيل العكسية، وربما الكارثية، ما ينفي جدية وأخلاقية المبالغ في التعاطي مع الحلول .

وكذا لجهة أخذ أي حدث بمعزل عن الأسباب والمسببات والتحليل لا التوصيف فقط، لسيناريوهات النتائج التي يمكن أن تتمخض عن الحل هذا لو قمت بهذا أو ذاك أو لو قابلته بذاك .

إذاً التعاطي اللاحدي هو الاعتدال بعينه، فالرمادي لون موجود ضمن المنظومة اللونية وإن لم تشمله مكنة أتود، والوسطية واقع بين حدين تنأى بمعتنقيها عن أي تطرّف وانسياق وراء الأبيض فقط أو الأسود لا غير .

في معنى آخر، تولدت أسئلة ونتجت هواجس بعيد ظهور وزيري الكهرباء والنفط على الشاشة الوطنية أمس، قد يكون أولها يتمحور حول تأخر الظهور وشرح كل حيثيات قضية المحروقات ووضع المواطن السوري في حقيقة الأمر ليكون مشاركاً في الحل، عبر تحليه بالمسؤولية على الأقل . وعدم تركه عرضة للشائعات لتتقاذفه، فتزيد من تخوفه حيناً وتدفعه ليكون عاملاً إضافياً في التأزيم، وإن عن غير معرفة وقصد، غالب الأحايين.

وأيضاً، أثار ظهور السادة الوزراء المتأخر جداً سؤالاً: لماذا يؤاثر مسؤولونا- أو معظمهم - على نفي الوقائع والقول " لا يوجد أزمة " والمواطن يعيشها ويكتوي بنتائجها، ألا يفكر السيد المسؤول- أي مسؤول – بنظرة المواطن الذي يلمس حقائق غير ما يتفوه به هو، ما يؤثر على مصداقية المسؤول وتعظيم الفجوة بين السلطات والمواطنين، وهي لعمري أخطر ما يصيب الدول من أمراض وربما هي أهم مسببات الأزمة التي تعصف بالبلاد الآن .

خلاصة القول: من الطبيعي، والطبيعي جداً أن تنشأ أزمة محروقات في واقع العقوبات التي فرضت ولا تزال على سورية واستهدفت أهم ما استهدفت النفط، فأن يتم منع تصدير النفط السوري يعني حرمان الخزينة من 16 مليون دولار كل صباح، ويعني عدم قدرة سورية- بسهولة على الأقل – أن تؤمن البدائل بسرعة، ويعني أننا بلد غير نفطي لا يزيد إنتاجنا النفطي عن 385 ألف برميل يومياً، ويعني أن الاستهلاك الآن زاد عن العام الفائت بنسبة لا تقل عن 40% ويعني أيضاً أن ثمة أيادٍ تبدد وأخرى تسرق وتصادر وتسيء...ويعني استغلال البعض للأزمة عبر طرائق وسبل عديدة، ويعني أن استهلاك الكهرباء لم يصل عبر تاريخ سورية الى ماهو عليه الآن ...ولكن كل ذلك يعني أن هناك أزمة وهي ليست مستحيلة الحل، بل لدى سورية بدائل وطرائق وخيارات لا منتهية لتجاوزها .

هذه هي القضية، الاعتراف أولاً ومن ثم التوصيف الصحيح للوصول إلى الحل، شريطة إشراك المواطن ووضعه في حقيقة الأمور، ليس لأنه سوري ومعني بالمعرفة وليس لأحد ادعاء الوطنية أكثر من المواطن فحسب...بل كي لا يسيء الفهم ويشارك في تعقيد الحل نتيجة مسكنات وتصريحات من يخالون أنهم أوصياء عليه، يعتمدون الحقائق المنقوصة لطمأنته فينقلب السحر على الساحر .