الوفد "المصرية"- اوكتوبر سينمائيا

ونتساءل الآن: أين دور السينما في تخليد معارك حرب اكتوبر الخالدة. وكلنا يعلم ان السينما الامريكية صنعت أمجادها الحقيقية من أحداثها التاريخية، وبالذات مما اخرجه لنا عن احداث الحرب الاهلية الامريكية بين عامي 1865 و 1866، بل ان من اعظم افلامها افلام تلك الحرب التي مضى عليها اكثر من قرن ونصف القرن، وقبلها سجلت لنا هوليوود الصراع بين المستعمرين البيض والهنود الحمر.. فإذا جاءت الحرب العالمية الثانية قدمت لنا السينما الامريكية العديد من الافلام العسكرية والانسانية.. حتى ولو كانت تسجل انتصاراً يابانيا كما حدث في ضرب الطيران الياباني لاكبر قاعدة جوية امريكية في المحيط الهادي..
ولعل فيلم أطول يوم في التاريخ - وهو يوم نزول قوات الحلفاء على شواطئ نورماندي كبداية لتحرير اوروبا - واحد من اعظم افلام هذه الحرب.. وكذلك فيلم مدافع نضارون.. ثم نصل إلى حرب فيتنام، وحرب كوريا قبلها، لتقفز السينما الامريكية إلى الجانب الانساني في هاتين الحربين، حتى ولو كان الفيلم كله يحكي معارك طاحنة لاطلاق سراح احد الاسري الامريكيين في فيتنام..
هنا نسأل ونسأل ونسأل: أين السينما من أحداث حرب اكتوبر، وأشهد وأقول ان صفحات معينة في هذه الحرب تصلح لتكون أفلاما شديدة الروعة.. حتى لا نشاهد في ذكري كل عام فيلماً واحداً - نشاهده بكل عظمة - هو فيلم »الرصاصة لا تزال في جيبي«.
ان احداث تدمير المدمرة الاسرائيلية ايلات تصلح فيلماً رائعاً.. يعيد إلى الاذهان بطولات البحرية المصرية، منذ أيام محمد علي باشا.. وكذلك ايام إغراقنا للطراد الفرنسي الرهيب جان بار عام خمسة وستين... ثم نروي حياة هؤلاء الابطال الانسانية في قراهم ووسط أهاليهم.. ثم ملحمة رأس العش التي وقعت بعد ايام من حرب يونيو عام سبعة وستين فقد استطاعت سرية صغيرة من جنود الصاعقة المصرية - المشاة - التصدي لطابور دبابات اسرائيلي كان يتقدم من الجنوب وهدفه الوصول إلى بورفؤاد - امام بورسعيد - وتنجح السرية المصرية الصغيرة في تدمير معظم الدبابات المهاجمة.. وبذلك تظل فؤاد وما حولها في أيدي قوات مصر من عام سبعة وستين الى عام ثلاثة وسبعين ومنعت اسرائيل من ان تعلنها صراحة انها احتلت »كل« سيناء.. ومازال أبطال رأس العش على قيد الحياة.. وكانت بطولتهم أول معركة حقيقية يشترك فيها جيش مصر.. وينتصر في اعقاب هزيمة يونيو القاسية..
والضربة الجوية الاولى التي قام بها الطيران المصري، بعد أيام قلائل من حرب يونيه، عندما جمع الفريق مدكور أبو العز قائد الطيران الجديد كل ما استطاع جمعه من طائرات، حتى طائرات التدريب، وقام بغارة جوية علي المواقع الاسرائيلية في عمق سيناء، جعلت السفيرين الامريكي والسوفيتي يوقظان الرئيس عبد الناصر من نومه ويطلبان منه وقفها فوراً.. وهي معركة أراد بها الفريق أبو العز أن يؤكد ان طيران مصر اخذته اسرائيل غدراً يوم الخامس من يونيو عام سبعة وستين ولم تسمح له ان يحارب، أراد الطيران في الضربة العظيمة بعد أيام من الهزيمة ان يستعيد الروح القتالية لطياريه بعد هذا السيل البذئ من النكت التي أخذت تسخر منه..
ثم اكبر معركة طيران فوق مطار شاوة في المنصورة بين الطيران المصري والطيران الاسرائيلي - وهي اكبر معارك الطيران في حرب اكتوبر كلها - وفيها لقن الطيران المصري لاسرائيل درساً لن ينساه.. بل وانهى اسطورة ظلت اسرائيل تفخر بها وتهدد بأنها صاحبة اليد الطولي في الحرب الجوية.. وأشهد وقد التقيت بعدد من أبطال هذه المعركة ان الطيران المصري عرف كيف ينتقم لشرفه العسكري الذي أهين صباح يوم الخامس من يونيه الا تصلح هذه المعركة، والحوارات المصرية بين طيارينا وهم يتسابقون في اسقاط طائرات العدو في حرب حقيقية الا تصلح لأن تسجلها السينما..
بل ومعركة الدبابات التي جرت في عمق سيناء بين القوات المصرية والاسرائيلية وهي معركة يشهد جنرالات المدرعات في العالم بأنها اكبر معركة دبابات في التاريخ.. حتى اكبر مما جري في صحراء العلمين في الحرب العالمية الثانية.. الا تصلح فيلما يحكي عمليات الكر والفر.. التقدم والتقهقر بالدبابات كر وتقدم مصري.. وفر تقهقر اسرائيلي..
ثم تلك الحرب الخفية للمخابرات المصرية في عمق سيناء.. والتي اشتركت فيها جماعات من بدو سيناء للعمل خلف خطوط العدو الاسرائيلي في حرب منسية فيها الكثير من البطولات.. تلك وغيرها من البطولات تصلح مادة سينمائية مشوقة تشد المشاهد.. وتعيد ذكري انتصارنا الي الذاكرة المصرية.
الوفد - عباس الطرابيلي