الوفد "المصرية"- مصر تبيع النيل

نعم،‮ ‬وأقسم بالله،‮ ‬أن مصر تصدر مياه النيل‮.. ‬وبكميات رهيبة ولا يستطيع وزير الري ولا وزير الزراعة أن ينكر ذلك،‮ ‬وقد تصدر مصر مياه النيل هذه إلى إسرائيل،‮ ‬كما تصدرها لغيرها‮.‬

وليس شرطا أن تصدر مصر مياه النيل من خلال ترع أو أنابيب أو براميل،‮ ‬أو حتى زجاجات‮.. ‬ولكنها تصدر هذه المياه من خلال خيارة أو حبة طماطم‮.. ‬وتصدرها أيضًا من خلال البطيخ والكنتالوب‮.. ‬بل وتصدرها من خلال ما تصدره من أرز‮!! ‬وكذلك من منتجات ألبان لأن مصر عندما تصدر الجبن الدمياطي‮.. ‬فهذا الجبن يأتي من قطعان الأبقار والجاموس المشهورة في منطقة دمياط‮.. ‬وهذه تأكل البرسيم الذي نفضل زراعته كثيرًا،‮ ‬حتى على زراعتنا للقمح والقطن‮.. تخيلوا وكل هذه المنتجات الزراعية لها شغف كبير وشهوة لشرب كميات كبيرة من مياه النيل‮.. ‬أما البصل فهو الأكثر طلبًا للمياه‮.‬

* ‬ومع دخول العالم‮ »‬عصر الفقر المائي‮« ‬فإن كل الدول تفضل‮ »‬تنظيم‮« ‬استهلاكها من مياه الري‮.. ‬بل إن بعضها يقنن كميات الري وأصبح يضع على فم الأرض العدادات التي تقيس كميات مياه الري من أمريكا إلي أوروبا‮.. ‬إلى استراليا‮.. ‬وبعضها يحاسب الفلاح على سعر أكبر لو زادت كمية المياه على المتعارف عليه‮.. ‬وكله بالعداد‮!!‬ والدول التي تقنن استخدامات المياه لا يشترط فيها أن تكون تعاني من نقص المياه‮.. ‬ولكنها تتعامل معها من منطلق أن المياه أغلى ما تملكه‮..

‬والدولة تتدخل أكثر فيما يزرعه المزارعون‮.. ‬أي عليهم أن يلتزموا بما تقوله الحكومة‮: ‬لا تزرع طماطم ولا تزرع البطيخ والكنتالوب‮.. ‬لا تزرع الأرز‮.. ‬لا تزرع الموز‮.. ‬أو القصب‮.. ‬ونلاحظ أن الدول التي تكثر من زراعة الموز أو القصب هي التي تسقط عليها كميات كبيرة من الأمطار،‮ ‬استوائية أو‮ ‬غيرها‮.. ‬من أندونيسيا وجنوب شرق آسيا إلى أمريكا الوسطى وشمال أمريكا الجنوبية‮.. ‬حيث الأمطار والأنهار‮.‬

 ‬وفي الشرق الأوسط‮ - ‬منطقتنا‮ - ‬وعت وفهمت وعملت بنظام تقنين كميات مياه الري‮.. ‬وبعضها حسبت ثمن منتجات زراعية معينة مع ثمن المياه المستخدمة في الري‮.. ‬فقررت أن تحد من زراعة النباتات شديدة الطلب لمياه الري وبالذات الخيار والطماطم والبطيخ‮.. ‬فأخذت هذه الدول تستورد هذه المنتجات من الدول التي تزرعها‮.. ‬وتفرح للأسف من تزايد الطلب على منتجاتها من هذه الموارد‮ - ‬دون أن تدري أنها تبيع المياه قبل أن تبيع الخيار والطماطم والبطيخ‮.. ‬والأرز‮!!‬

نقول ذلك ونحن نعلم أن دول الجوار التي تفعل ذلك تعتمد أو تنعم بكميات معقولة من الأمطار‮.. ‬وهو ما لا تنعم به بلادنا‮.. ‬ورغم ذلك فهم‮ - ‬هناك‮ - ‬يزرعون محاصيل‮ ‬غير نهمة للمياه ويصدرونها ويستوردون منا ما يحتاجون‮.. ‬ونفرح ونصدق أننا نصدر للآخرين‮.‬

 ‬حتي دول الخليج وعت هذه القضية‮.. ‬فساعدت علي استيراد الخضراوات والفواكه المائية منا،‮ ‬ومن‮ ‬غيرنا،‮ ‬وحفظت مياهها لما هو أفضل‮.. ‬وأكثر قيمة‮.‬ ولم تنتبه الحكومة إلي التوسع في زراعة الموز في الأراضي الجديدة بطريق القاهرة‮ - ‬الإسكندرية الصحراوي‮.. ‬حيث الرقابة شبه منعدمة في هذه الأراضي ربما بحجة أن المساحة الأكبر من هذه الأراضي تعتمد علي المياه الجوفية للري‮.. ‬رغم الأصوات التي ترتفع الآن مطالبة بتوصيل مياه النيل إليها‮.. ‬وتفكر الحكومة في تدبير ذلك بالفعل‮.. ‬ونسي هؤلاء أن المخزون الجوفي في كل الصحراء الغربية محدود وغير متجدد‮.. ‬وبالتالي علينا أن نحسن استخدامه‮.. ‬ولكن ليس في الموز المشهور عنه أنه يطلب كميات كبيرة من المياه‮.‬ ‮

‬ولا أريد أن أصبح كمن ينادي في البرية‮.. ‬ولكن علينا أن نستيقظ مما نحن فيه من وسائل ري وزراعة تقليدية،‮ ‬قبل أن يسبقنا الزمن ونجد أننا نزرع ليأكل‮ ‬غيرنا‮.. ‬بينما لا نجد ما نأكل من انتاج أرضنا ومياه نيلنا‮!!‬ علينا‮ - ‬إذن‮ - ‬أن نغير من أسلوب زراعتنا أن نحدد ما نزرعه‮.. ‬وأن نتوقف عن تصدير مياه النيل،‮ ‬نقصد زراعة المحاصيل التي تستولي علي حصة كبيرة من مياه هذا النهر العظيم‮.‬ وعلينا أن نتوقف أيضا وبسرعة عن تصدير الطماطم والخيار والبطيخ والبصل حتي نوفر‮ - ‬أولاً‮ - ‬احتياجات السوق المحلية‮.. ‬من جهة‮.. ‬وحتي نوفر من استخدام مياه النيل‮.‬

 ‬أما المشكلة الأكبر فهي زراعة الأرز‮.. ‬حقيقة يمكن زراعته بمياه الصرف الزراعي المخلوط بمياه النيل‮.. ‬وحقيقة أنه المحصول الأكثر استهلاكًا لمياه الري‮.. ‬وأنه المحصول الغذائي الأول لكل سكان شمال دلتا مصر من شرق بورسعيد إلي‮ ‬غرب الإسكندرية وحتي كل دلتا النيل ولكن لا ننسي أيضا أننا نصدر كمية كبيرة تصل أحيانا إلي ثلما ننتجه بالكامل‮.‬

 ‬المطلوب إذن سياسة زراعية جديدة‮.. ‬وأسلوب جديد للزراعة وللري‮.. ‬إذ حرام أن نصدر مياه النيل من خلال زجاجة اسمها خيارة‮..‬،‮ ‬وبرميل اسمه بطيخة‮.‬

 ‬وأرجو ألا تذهب هذه الكلمات‮.. ‬في الهواء‮.‬

 

الوفد - عباس الطرابيلي