اليمنيون يهجرون حياة الريف باتجاه المدن خوفا من الجوع

بينما كان الرجال والنساء يجمعون الذرة، ويدحرجون لفائف سيقان النبات الجافة في حقول قريتهم الصغيرة قرب العاصمة اليمنية صنعاء، وقف حميد المساجدي يودع أسلوب حياة ستهجره عائلته للأبد.
وقال المزارع البالغ من العمر 35 عاماً مشيراً إلى الحقول التي تحيط بقرية بيت المساجدي القابعة أسفل مجموعة من الجبال تناثرت وسطها خراف هزيلة، "اعتباراً من العام المقبل لن تكون هنا أي أراض زراعية، هذه آخر مرة تزرع فيها هذه الأرض. كلنا بعنا الأرض". ويواجه اليمن مناخاً يزداد جفافاً ونمواً كبيراً في السكان.
وتقلصت المحاصيل الزراعية مع تراجع سقوط الأمطار، وتناقص مياه الآبار، ولم يعد المزارعون وهم يشكلون 70 % من تعداد السكان، يستطيعون العيش على المحاصيل التي يزرعونها. ويتدفق الشبان من الريف على المدن بحثاً عن عمل يعولون به أسرهم.
وقال غيرهارد ليختنتايلر، من وكالة التنمية الألمانية "جي تي زد"، "الطعام لم يعد ينتقل من الريف إلى المدن بل من المدن إلى الريف"، مضيفاً "إن نقص المياه جعل الزراعة مستحيلة في بعض المناطق.
وينخفض مخزون المياه الجوفية من متر إلى خمسة أمتار في العام نتيجة للاستخراج المفرط".
وقال "المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء"، الذي يقدم المشورة للحكومة اليمنية، إن ثلث سكان اليمن البالغ تعدادهم 23 مليوناً يعيشون بلا أمن غذائي.
نمو سكاني
ومن المتوقع أن يعاني المزيد من السكان من الجوع في المستقبل مع زيادة سكانية تصل إلى ثلاثة بالمئة في العام، وشح المياه.
ويقول خبراء، إن صنعاء مرشحة لأن تكون أول عاصمة تجف فيها موارد المياه بحلول العام 2050، وبحلول العام نفسه يتوقع خبراء "المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء"، أن ترتفع أسعار الحبوب على مستوى العالم بما بين 39 و62 بالمئة دون وضع تأثير التغير المناخي في الحسبان، والذي قد يزيد الأسعار بنسبة تتراوح بين 32 و111 بالمئة.
ويستورد اليمن 70 بالمئة على الأقل من المواد الغذائية التي يحتاجها، وقال المساجدي "المشكلة هي أننا "أهل الريف" نعتمد بالفعل على قمح مستورد. الذرة للاحتياجات الأساسية فقط".
ويكلف القمح اليمنيين ما يصل إلى 250 دولاراً للطن، ويمكن لارتفاع الأسعار أن يزيد من التوترات في مجتمع ينتشر فيه السلاح، ويعيش نحو نصف سكانه على دولارين أو أقل في اليوم.
وسيزيد التغير المناخي الضغط على الدولة الواقعة في شبه الجزيرة العربية. فحكومة صنعاء التي تعوزها الأموال عليها أن تواجه حركة انفصالية في الجنوب، وتحافظ على هدنة هشة في الشمال مع المتمردين الحوثيين الشيعة، وتقاتل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يتخذ من البلاد مقراً له. والبطالة آخذة في الارتفاع في دولة يعتمد اقتصادها على تصدير النفط، بينما بدأت الموارد النفطية تشح.
نقص الغذاء
وقال إبراهيم شرقية، وهو خبير يمني في "مركز بروكنجز" في الدوحة، إن نقص الغذاء قد يؤدي إلى انهيار النظام، وفشل الدولة لأن الحكومة ستفقد ميزة توفير الطعام والدعم الاقتصادي للشعب.
خطة حكومية
ووضعت حكومة اليمن خطة لتحسين الزراعة التي تستهلك 90 بالمئة من المياه، وتنويعها وإبعادها عن زراعة القات الذي يهيمن على حياة الناس في اليمن.
لكن ليختنتايلر يصف القات، وهو نبات يتحمل الجفاف، بأنه "محصول مناسب" للمزارعين الفقراء الذين يكافحون لأن تكفي مواردهم احتياجاتهم، ويرى أنه على الرغم من ضرورة المضي في سياسة عدم تشجيع زراعة القات، فإن تنويع الزراعة قد يأخذ اليمن إلى مسار خاطئ.
وقال مشيراً إلى وكالته "جي تي زد"، "نحن نطلب منهم فعلياً خفض زراعاتهم. عليهم أن يوفروا فرص عمل".
ويتفق الخبراء على أن اليمن لن يستطيع أن يزرع كل ما يحتاجه من غذاء. والزراعة تستهلك موارد مائية ثمينة يدور حولها بالفعل صراع بين اليمنيين، وهي موارد حيوية للاستخدامات المنزلية والصناعية مستقبلاً.
وقال ليختنتايلر، "ليس بالضرورة أن يكون التفكير الصواب هو إنتاج المزيد من الغذاء. عدد السكان يزيد بسرعة كبيرة يستحيل معها تحقيق اكتفاء ذاتي في الغذاء. نحن بحاجة إلى اقتصاد متنوع".
ويرى خبراء أن الأمن الغذائي يمكن أن يتحقق من خلال تنمية اقتصاد يوفر دخلاً كافياً لتغطية نفقات استيراد الطعام. ويعد التصنيع والتعدين من البدائل للزراعة، كما يمكن للسياحة في اليمن الذي يشتهر بمعماره التقليدي وجباله الوعرة أن توفر فرص عمل وعملة صعبة.
القطاع الخاص
لكن مثل هذه الخطط التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة من القطاع الخاص تبدو خيالية نظراً للمشاكل الأمنية التي تحيق باليمن.
ويقول كليمنز بريسينجر من "المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء"، إن هناك خياراً لا يحتاج إلى استثمارات لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للسياسيين، وهو خفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود، الذي يعد من أعلى المستويات في العالم.
وذكر أن دعم الوقود يكلف الحكومة نحو 150 دولاراً للفرد في العام.
وأضاف "تخيل لو أنك أعطيت هذا المال لكل يمني، خصوصاً من يفتقر منهم للأمن الغذائي، فستكون قد حللت جانباً من المشكلة بالفعل". ويحذر ليختنتايلر من أن اليمن قد يواجه اضطرابات أو أعمال عنف بسبب الغذاء إذا لم يغير استراتيجيته.
وقال "إذا لم ينوعوا "الاقتصاد" سيزداد الناس فقراً على فقر، ثم تقع كارثة".
وتعج المدن اليمنية بشبان أتوا من الريف لكسب الرزق حتى يعولوا أسرهم.
ويعمل محمد شجون 16 عاماً، وهو من محافظة الحديدة في غرب البلاد كموزع جرائد في صنعاء، ويحلم بالعودة إلى قريته لكن أسرته هناك تعتمد على ما يكسبه في الشهر، وهو 7000 ريال "33 دولاراً" لأن محصولها لا يكفي لإطعامها.
ويقول "العمل شاق تحت شمس صنعاء. الجو في قريتي جميل. أود لو هطلت الأمطار مجدداً حتى أترك هذا العمل وأعود إلى حقلي".
شام نيوز - العرب اونلاين