امبراطورية الأطباء

 

جمال كنعان - تشرين

 

 

حصلت شريحة الأطباء خلال السنوات الماضية على مكاسب كبيرة وتفضيلات كثيرة على حساب باقي شرائح المجتمع وبمساهمة العديد من القوانين والتعليمات والأنظمة.

ربما كان للاهتمام وتفضيل فئة على أخرى ما يبرره فيما مضى لقلة عدد الأطباء مثلاً والحاجة الماسة لاختصاصاتهم إلا أن هذه النظرة لهذه الفئات تكرست في أذهان أفراد المجتمع حتى صار لدينا سلم درجات يتربع في أعلاه الطبيب ويتلوه المهندس وصولاً إلى الدرجات الدنيا وهم من يمارسون أعمالاً خدمية لا تقل أهمية عن عمل الطبيب.

طبعاً هذه التراتبية أصبحت ثقافة مجتمعية جعلت من الطبيب امبراطوراً ولديه ميزات ويجب معاملته بشكل استثنائي من حيث الراتب والمسكن والمكانة الاجتماعية وغيرها وكل من يخالف هذه المعاملة الاستثنائية يعتبر مخالفاً للعادات والتقاليد التي أصبحت عرفاً يجب الالتزام به والأطباء هم أنفسهم ومنذ دخولهم كلية الطب تظهر عندهم الفوقية والترفع عن باقي الشرائح وتتغير أحلامهم التي تبدأ بعيادة مميزة وسيارة آخر موديل ومنزل كبير ومكانة اجتماعية مرموقة ولا نهاية لهذه الأحلام ويجب على المجتمع والقانون تأمين هذه المتطلبات لهذه الشريحة.

بالتأكيد نحن عندما نتكلم عن هذا التمايز الذي كرسته العادات والقوانين والحاجة لا نقصد الإساءة إلى الأطباء أو التقليل من أهمية دورهم وعملهم ولكن نستغرب عدم إصدار قانون التفرغ الطبي حتى الآن رغم معرفة كل المفاصل الحكومية لأهميته وكيف أنه يحل أكبر مشكلة يعاني منها القطاع الصحي وهي توفير الكوادر الطبية في المشافي من خلال إلزام الأطباء إما بالعمل في المشافي والقطاع الحكومي وإما في عيادات خاصة أسوة بقانون التفرغ الهندسي وغيرها من القوانين التي تنظم المهن والأعمال وتمنع عمل الفرد بأكثر من عمل لدى الدولة.

وإذا كان قانون التفرغ الطبي أنجز كما أكدت وزارة الصحة إلا أن المشكلة التي تمنع تطبيقه والعمل به هي التكلفة المالية الناجمة عنه والبالغة 8,1 مليارات ليرة وذلك لرفع رواتب الأطباء لضمان حياة كريمة ومناسبة لهم.

وهنا لابد من تأكيد استغرابنا من تعامل الحكومة مع شرائح المجتمع ولماذا على باقي الشرائح من جامعيين واختصاصاتهم المتنوعة ومهنيين وعمال وفلاحين وكلهم ربما يبذلون جهداً أكثر مما يبذله الطبيب في عمله ولكن على هذه الشرائح دفع ضريبة رفاهية الطبيب وخاصة أن أجور الأطباء أصبحت مرهقة ولا يقدر عليها مواطننا وما يتقاضاه بعض الأطباء في اليوم يعادل ما يتقاضاه غيره من العاملين في شهر.